فصل: [الكلام في أن العموم لا يقصر على سببه]
  مناسككم(١)» فلو علموا من دلالة الشرع وجوب اتباع فعله فيما يتنافى فيه القول وفيما لا يتنافى لم يكن لتخصيصه بالذكر معنى، ولهذا وجب عليه ما لم يجب علينا كالوتر والأضحية، وحل له ما لم يحل لنا كنكاح ما فوق الأربع، وحرم عليه وعلى أهل بيته $ ما لم يحرم على سائر الأمة كالزكاة والكفارة.
  ومثال المسألة: ما روي أنه ÷ نهى عن استقبال القبلتين لغائط أو بول، ورآه ابن عمر يقضي الحاجة على نشيز مستقبلاً بيت المقدس حرسه الله تعالى.
  وكذلك نهى عن كشف العورة، وروي أنه كشف فخذه بمشهد من بعض الصحابة، فإذا تقرر ذلك وقد وجب علينا على وجه العموم اتباعه في قوله، وحرم علينا خلافه بقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور: ٦٣]، لم يجز لنا ترك مقتضى هذا الأمر إلا بدلالة من القول كقوله: «خذوا عني مناسككم» وما شاكله.
  فإن قيل: إن الدلالة قد وقعت في ذلك وهي الإجماع على وجوب الإقتداء به في الأفعال ثبت مثله في الأقوال فجرى القول والفعل مجرى واحداً.
  قلنا: هذا زعمكم غير مسلم إلا فيما لا يتنافى فيه القول والفعل، وأما ما يتنافى فيه فهو موضع الخلاف فمن أين يصح دعوى الإجماع؟
فصل: [الكلام في أن العموم لا يقصر على سببه]
  اختلف أهل العلم في العموم إذا خرج على سبب هل يحمل على ظاهره أو يقصر على سببه؟
  فذهب المحصلون من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب الشافعي، وهو المحكي عن الشيخ
(١) رواه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد، والإمام المتوكل على الرحمن في أصول الأحكام، والأمير الحسين في الشفاء، وأخرجه مسلم (٢/ ٩٤٣) رقم (١٢٩٧)، وأبو داود (٢/ ٢٠١) رقم (١٩٧٠)، والنسائي في السنن (٢/ ٤٣٦) رقم (٤٠٦٨)، وأحمد في المسند (٣/ ٣١٨) رقم (١٤٤٥٩)، والبيهقي (٥/ ١٣٠) رقم (٩٣٣٥)، والطبراني في الأوسط (١/ ٥٢٣) رقم (١٩٢٩)، والنسائي في المجتبى (٥/ ٢٧٠) رقم (٣٠٦٢)، ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد، والطبراني في الكبير وغيرهم.