مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

الفصل الثاني في دعوته سرا

صفحة 23 - الجزء 1

الفصل الثاني في دعوته سراً

  لما ظهر للمشركين أنه قد بعث الله رسولاً اشتد غضبهم وطاشت حلومهم وتغيرت لذلك عقولهم لمعرفتهم أن الرسالة ستُبطل كبرهم وتهدم أصنامهم، وكان المشركون متمسكين بها تمسكاً شديداً لترسخها في نفوسهم منذ زمن طويل فلا يسمعون عذل عاذل⁣(⁣١) ولا نصح ناصح بل يقابلون من عابها بالشدة والإغلاظ وتثور ثوائرهم، فلم يكن من الحكمة إظهار الدعوة والجهر بها وأصحابه القليلون تحت العذاب وكيف يجهرون بالإسلام وشعائره أمام أمة متعصبة بأسرها لدينها الوثني، ولما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ١ قُمْ فَأَنْذِرْ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ٣}⁣[المدثر: ١ - ٣]، إلى قوله: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ٧}⁣[المدثر: ٧]، الآيات، أخذ رسول الله ÷ يدعو الناس سراً وخفية لمدة ثلاث سنوات لعدم الأمر بالإظهار، وكان من أسلم يذهب إلى بعض الشعاب يتخفي بصلاته من المشركين حتى لقد اطلع نفر من المشركين على سعد بن أبي وقاص وهو في نفر من المسلمين في بعض الشعاب فعابوا عليهم ما يصنعون، فقاتلوهم وضرب سعد رجلاً منهم فشجه وهو أول دم أهرق في الإسلام فعند ذلك دخل رسول الله هو وأصحابه دار الأرقم مستخفين بصلاتهم وعبادتهم إلى أن أمره الله


(١) أي لوم لائم