بيعة العقبة الثانية
  عليهم طعاماً فقالوا: لا حاجة لنا ولكن رد علينا الطلب فاستعد ورجع مكة وأصبح عدواً لقريش وبات معاوناً هكذا شأن النبوة ولا قوة إلا بالله.
  انطلق رسول الله هو وصاحبه يقطعان بطون تهامة في قيظ محرق تتلظى له رمال الصحراء وهم يواصلون السير ليلاً ونهاراً عناية وحراسة تحوط بهم، والمعجزات تترى ومن ذلك قصة أم معبد وذلك أنهم رأوا خيمة في الصحراء في وقت الهاجرة فقصدوها لما بهم من العطش والنصب(١) فإذا هي خيمة أم معبد فطلبوا منها ماء فلم يجدوا شيئا فطلبوا منها لبناً فلم يجدوا شيئا وكان هناك شاة فقالوا: هذه الشاة، فقالت: ما خلفها عن الغنم إلا العجز، فمسحها رسول الله ودعا فدرت بلبن كثير شربوا كلهم فتعجبت أم معبد وكانت تخبر بذلك، ومنها قصة الشجرة وهي عوسجة كانت عند الخيمة فمج رسول الله فيها فكبرت وصارت من أعظم الشجر كبراً وكانت تثمر ثمراً غير معهود ولها قصة طويلة تركنا ذلك اختصاراً، لقد غادر رسول الله مكة مسقط رأسه وهو آسف لفراقها وفراق قومه بعد أن صبر على أذاهم فغادرهم ذلك النور الساطع والعلم الواسع والهمة العالية والنفس الأبية والشخصية المحبوبة والوجه المشرق دائم الابتسام والخلق العظيم واللسان الذي لا ينطق عن الهوى.
(١) المشقة والتعب