دور القاضي في إثراء فكر الزيدية والدفاع عنه
دور القاضي في إثراء فكر الزيدية والدفاع عنه
  إذا كان القاضي جعفر قد رفد تراث وفكر الزيدية بما حمله من العلوم من كتب الأصول والفروع وما سمعه وتلقاه من شيوخه في العراق وغيرها في رحلته، وعاد محملاً بكل ذلك إلى اليمن، فقد كانت الفترة التي تقارب عشرين سنة منذ عودته من العراق سنة (٥٥٤ هـ) إلى وفاته سنة (٥٧٣ هـ) هي الفترة الأكثر عطاء في حياة القاضي والأكثر تأثيراً ومشاركة وتفاعلا مع ماجريات تلك الفترة، فقد اتجه للتدريس والإسراع في مكان سكناه ب (سَنَاع)، وأقام بجانب مسجدها مدرسة وفد عليه فيها طالب العلم والمحاور والمناظر، وفيها ناقشه وحاوره وأخذ عنه كثير ممن كان على مذهب المطرفية وكان رجوعهم على يديه، ومنها توجه مختاراً أو مضطراً إلى غيرها من مناطق اليمن، وإليها عاد وفيها ووُرِي.
  وكما رفد فكر الزيدية بفكر وتراث غيره فقد رفده بمؤلفاتٍ في شتى العلوم كانت معتمد طلبة العلم وغيرهم في عصره وحتى يوم الناس هذا، وبَوَّب ورتب كتباً من سماعاته ومقروءاته، ك (تيسير المطالب في أمالي السيد أبي طالب) و (نظام الفوائد) لقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الأسد أبادي؛ ومن الكتب التي عاد بها من العراق (مجموع علي خليل) والذي «ذهبت منه قطعة، فصنفها القاضي جعفر، وهي معروفة»، ذكر ذلك في (الطبقات) في ترجمة علي خليل.
  وكان له مع المطرفية صولات وجولات طويلة، نافح فيها وكافح بالقلم واللسان، وقد قيل: على أهل اليمن نعمتان في الإسلام والإرشاد إلى مذهب الأئمة $: الأولى للهادي #، والثانية للقاضي جعفر، فإن الهادي # استنقذهم من الباطنية والجبر والتشبيه، والقاضي له العناية العظمى في إبطال مذهب التطريف، ونصرة البيت النبوي الشريف. وله مع أهل السنة حنابلة وأشعرية أيضاً صولات، وضويق وأوذي من هؤلاء كما ضويق وأوذي من أولئك، كما سنرى فيما يلي.