الإحياء على شهادة الإجماع،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

نشأته وترحاله الفكري:

صفحة 12 - الجزء 1

نشأته وترحاله الفكري:

  يبدو أن القاضي جعفر ¦ قد تناوشته المذاهب الفكرية في الفترة التي عاش فيها في القرن السادس الهجري منذ نشوئه إلى أن توفاه الله تعالى أخذاً وتركاً وائتلافاً واختلافاً، وعندما ألقى عصا ترحاله الفكري واستقر به النوى على المذهب الزيدي نافح عنه وكافح وانتقد مخالفيه وناصح.

  نشأ في أسرة باطنية؛ حيث كان أبوه عالم الباطنية وخطيبها، وأخوه يحيى بن أحمد شاعرهم ولسانهم، وفق ما ذكره ابن فند في (مآثر الأبرار⁣(⁣١)) وغيره. ولعله لم يجد في الباطنية ما يشبع تطلعه ونهمه الفكري؛ إذ يأباه الفكر السليم بله أن يكون صاحبه ذا ذهن متقد وعقل منتقد كشيخنا القاضي جعفر، فيتجه في مرحلة من عمره إلى أهل التطريف من الزيدية في مقابل الزيدية المخترعة، فتمضي فترة لم يتسن معرفة قدرها اعتنق فيها مقالة المطرفية.

  والنشأة الباطنية هذه على فرض صحة ما ذكره صاحب (مآثر الأبرار) وغيره من أن أباه وأخاه كانا من الباطنية، وفيما ذكره الثقفي مؤلف (سيرة الإمام أحمد بن سليمان: ٦٨ - ٧٣) ما يلقي بظلال من الشك على صحة ذلك؛ إذ ذكر ما لفظه: «وكان ما وصله [يعني: الإمام] مكاتبةٌ لأهل صنعاء يستدعونه ويستنهضونه إلى صنعاء وأعمالها، والمكاتب له يومئذٍ السلطان حاتم بن أحمد بن عمران والقاضي الأجل أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى، وفي المكاتبة شعر من ولده يحيى بن أحمد ...» وذكر قصيدة نونية طويلة تتضمن مدحاً وتعظيماً للإمام ووصفه ب «أمير المؤمنين»، وفيها حثٌّ على نصرته «زرافات إليه ووحدانا» و «خفافا أو أثقالا» و «شيبا للجهاد و شبانا»، وقد أجاب الإمام على ذلك ونقل الثقفي من جواب الإمام قصيدة جوابا على قصيدة الشاعر يحيى بن أحمد، وهي قصيدة على نفس الروي تضمنت مدحاً للسلطان حاتم وللشاعر يحيى بن أحمد، وثناء على والده واصفاً إياه به «القاضي الأجل»، مبشراً لهم بنهوضه إلى صنعاء.


(١) مآثر الأبرار لابن فند: (٧٦٩: ٢).