كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السادسة أن الله تعالى قديم

صفحة 122 - الجزء 1

  يُوجد أبداً إلّا بين الأشياء وبينه، ولا يوصف بها أبداً غيرهُ سبحانه، وهي الصّفةُ التي لا يُشاركه فيها مشاركٌ ولا يملِكُها عليه مالكٌ، ولا يعمّ الأشياءَ اختلافُ عمومه، ولا تُصحّحُ الألبابُ أبداً إلّا لِلَّهِ معلومة، لأنه وإن وقع بين الأشياءِ ما يقع من الإختلاف فليس يُوجد واقعاً إلّا بين ذوات الأوصاف، وكل واحد منها وإن خالف غيره فِي صفةٍ فقد يُوافقه في صفة أُخرى كان ممّا يعقل، أو كان مما يُلمسُ أَو يُرَى) وقد أوردت الجبريّةُ أهل المعاني آياتٍ من متشابه القرآن تعلّقوا بها، منها قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَآءَ}⁣[البقرة: ٢٥٥] وقوله تعالى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ}⁣[النساء: ١٦٦] وقوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ}⁣[الأعراف: ٠٧] وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}⁣[الذاريات: ٥٨] وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهِا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}⁣[الذاريات: ٤٧] والأيدي: القوّةُ، ووجه تعلقهم بذلك أنّ ظاهر الآي يُفيد أنّ لِلَّهِ تعالى علماً وقدرةً، والعلمُ والقدرةُ معنيانِ.

  والجواب: أنّ القرآن نزل خطاباً للعرب على لغتهم، وهم لا يعقلون ما ذكرتم من المعاني، وإذا لم يعقلوها لم يصح أن يُخاطبهم اللهُ بذلك ويريد منهم فَهْمَ المعاني ولم يُبيِّن لهم تعالى - عقيب الخطاب - المعنى الذي قصد منهم فَهْمَهُ إذ ذلك يجري مجرى الإلغاز والتّلبيس وهو تعالى منزّه عن ذلك. والذي يعقله أهل اللغة على ما عرف بالنقل الصحيح