كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السادسة أن الله تعالى قديم

صفحة 123 - الجزء 1

  استعمالهم العلم بمعنى العالِمِ مرّةً، وبمعنى المعلوم أُخرى، فاستعمالهم العلمَ بمعنى العالم كقولهم: جرى هذا بعلمي أي: وأنا عالمٌ به، واستعمالهم له بمعنى المعلوم كقولهم: هذا علمُ فلان أي: معلومه كما نقول في زماننا: هذا علم أهل البيت والفقهاء، أي: المعلومات التي علموها. فإذا ثبت هذا فمعنى قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} أي: وهو عالمٌ به ومعنى قوله: {فَلَنَقُصَنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} أي: ونحن عالمون به، ومعنى قوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أي: من معلوماته ومع الحمل على ما ذكرناه تقع المطابقة بين الأدلّة العقلية والسّمعية. وكذلك القدرةُ تُستعمل بمعنى القادر مرّةً تقول: مالي بهذا الأمر قُدرة أي: ما أنا قادرٌ عليه، وبمعنى: المقدور مَرَّةً كقولهم: أُنظر إلى قدرة الله تعالى أي: مقدوراته، فيحمل قوله تعالى: {ذُو القُوّةِ الْمَتِينُ} على القادريّة، وكذلك قوله تعالى: {وَالسَّماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي: ونحن قادرون، فثبت ما ذهبنا إليه وبطل ما قاله المخالف. وأورد المخالفون جميعاً - القائلون بأنّ الصفات ليست هي الذّات كما هو مذهبنا، من الأُموريّة والجبرية - شبهةً: وهي أن الصّفات لو كانت هي ذاتَ الله لم يجب تكرير النظر في معرفتها إذ من عرف الذات عرفها ومن عرف صفةً منها عرف سائر الصفات.

  والجواب: أنّ ذلك غيرُ لازمٍ إذ معرفة الباري لا تحصل إلّا بتكرير النظر، فتكرير النظر لم يكن بعد معرفة ذات الله إذ النظر في الصفات معدودٌ من النظر