فصل
  يعني بذلك: الإنتقال في الجهات من جهةٍ إلى جهةٍ، وهذانِ مُتلازمانِ فكل ذي مكانٍ فهو ذو إنتقال والعكس، واللهُ تعالى لا يجوز عليه شيءٌ من ذلك. والقول بأنه ليس بذي مكانٍ ولا انتقالٍ هو مذهب العدليّة جميعاً وأكثر المُجبرة. وقول المجسمة إنه يتمكّن من الأماكن مبنيٌّ على أصلهم الباطل. وقالت الكُلّابية: من المجبرة: إن الله تعالى على العرش تصديقاً لِمَا ورد به القرآنُ لكنّه بِلا إستقرار عَمَلاً بما دلت عليه الأدلة العقليّة من نفي التجسيم. وقال بعض الكرامية: إنه تعالى بجهة فوق إذ لا بُدّ له من جهةٍ وإلّا لكان نفياً. قالوا: والقول بأنه لا داخلٌ في العالَمِ ولا خارجٌ عنه، قولٌ بنفيه، إذ من أراد أن ينفيَ لا يزد على هذا، وتلك الجهة هي: جهة فوق لأنها الجهة التي تنزل منها الأوامرُ والنّواهي، والكتبُ وإرسال الرُّسل، ومنها تنزل الرّحمةُ، والعذاب، وإليها يتوجه الدُّعاءُ، وتُطلبُ الحاجاتُ ولقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل: ٥٠] وقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: ١٨] ونحو ذلك.
  قلنا: القول بأنه ذُو مكانٍ وانتقال يستلزم الجسميّة لأنّ كل ما تمكّن في الأماكن أو شغل الجهات فهو متحيّزٌ، وكُلُّ متحيّزٍ فهو من قَبِيلِ الأجسام، والجسميّة تستلزم الحدوث لِمَا تقدّم في دليل الدّعاوى أنّ كُلّ جسمٍ محدثٌ، فيلزم أن يكون تعالى جسماً محدثاً، وقد بطل في حقه تعالى حيث بيّنا أنه قديمٌ ثم بيّنا أنه ليس بجسمٍ. وأمّا قولهم إن القول بأنه لا داخل في العالم ولا خارج عنه نفيٌ له، فغيرُ مُسلّم، وإنّما هو نفيٌ لأن يكون من جنس العالم ونحن نقول كذلك.