تنبيه
  يُثْبَتَ بأحد اللّفظينِ ويُنفى بالآخر فلا يجوز أن يقول قائلٌ: هذا جسمٌ وليس بطويلٍ، ولا عريضٍ، ولا عميقٍ، ولا أن يقول هذا طويلٌ عريضٌ عميقٌ وليس بجسمٍ بل يُعدُّ من قال مناقضاً؛ جارياً قوله مجرى قول من يقول: هذا جسمٌ ليس بجسمٍ. ولأنّ أهل اللُّغة يستعملون لفظ الجسم فيما كان طويلاً عريضاً عميقاً، فيقول قائلُهُم: الفيلُ أجسمُ من الإبل؛ لمّا أشْتركا في الطول، والعرض، والعمق، وزاد أحدهما على الآخر في ذلك، وقال الشاعر:
  وَأجْسَمُ مِنْ عَادٍ جُسُومُ رِجَالِهِمْ ... وَأكْثَرُ إنْ عُدُّوا عَدِيداً مِنَ التُّرْبِ
  ولأنه لو جاز أن يُسمّى جسماً لا كالأجسام لجاز أن يُسمّى إنساناً لا كالنّاس، وشابّاً لا كالشّباب، وشيخاً لا كالشيوخ ونحو ذلك، وذلك لا يجوز لإيهام الحدوث، فكذلك لا يجوز أن يُسمّى جسماً لا كالأجسام إذ العلّة واحدة. وأمّا الذين قالوا بأنه تعالى عَرَضٌ على اختلاف أقوالهم: فمذهبهم باطل أيضاً لأنه لو كان مشبهاً للأعراض لجاز عليه ما جاز عليها من العدم والحدوث لأنّ ذلك شأن المثلينِ. (وَ) هو تعالى (لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ الْعَدَمُ وَالْبُطْلَانُ وَالْحُلُولُ فِي المَحَّالِّ لِأنَّ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ الأعْرَاضِ وَهُوَ تَعَالَى لَيْسَ بِعَرَضٍ) لِمَا قرّرنا أنّ العرض محدثٌ وأنّ الله تعالى قديمٌ، والقديمُ لا يجوز خروجُهُ عن صفته الذّاتية وهي الْقِدَمُ إذ ذلك لا يصحُّ كما مَرَّ فلم يَجُزْ عليه تعالى العدمُ، والحدوثُ، والحلولُ في المحالِّ لمنافاته الْعَرَضَ لِمَا ذكرنا. وأيضاً: فإنّ العرضَ ليس بحيٍّ، ولا قادرٍ ولا فاعلٍ، وقد ثبت أنه تعالى حيٌّ قادرٌ فاعلٌ، ولا يخفى أنّ الزيادة والنُّقصان ممّا لا يمتنع على الأعراض، وأن الحُلول في المحالِّ على عمومه لايمتنع على الأجسام، فإن خُصَّ بأنه لا على