كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثامنة أن الله تعالى غني

صفحة 138 - الجزء 1

  {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ}⁣[المائدة: ٦٤] وغَلُّ اليد في وضع اللُّغة عبارةٌ عن البُخل، ومن هؤلاء اليهود رجل يقال له: فنحاص لعنه الله.

  (وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) القول الصحيح (أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَنْ جَازَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ وَالنِّفَارُ) لأنّ معنى الحاجة: الدّواعي الدّاعية إلى جلب نفعٍ أو دفع ضررٍ بدليل أنه لا يجوز أن يثبت بأحد اللفظين وينفى بالآخر فلا يجوز أن يقال أَنا مُحتاجٌ إلى هذا الطعام وما دعاني إليه داع، ولا أن يُقال دعاني إليه داعٍ ولستُ بمحتاجٍ إليه، بل يُعدّ من قال ذلك مناقضاً، فثبت أنّ الحاجة هي الدّواعي الدَّاعيةُ إلى جلب نفعٍ أو دفع ضررٍ. والمنفعةُ هي اللّذةُ والسُّرور وما أدّى إليهما بدليل أنه لا يُثْبَتُ بأحد اللفظين ويُنفى بالآخر، فلا يجوز أن يقول قائل: انتفعتُ بهذا الفعل وما تلذذتُ به ولا سُرِرْتُ ولا العكس، بل يُعدّ من قال ذلك مناقضاً. واللَّذة هي: المعنى المُدرك بمحلٍّ الحياةُ فيه مع الشهوة له، وحقيقة السُّرور هو علمُ الحيِّ، أو ظنّهُ أو إعتقادُه بأنّ له في الفعل جلب منفعة أو دفع مضرّه؛ والذي يُؤدّي إليهما كالطاعات فإنها وإن كانت شاقّةً مُتعبةً في الحال فإنها تُسمّى منفعةً لأنها تُؤدِّي إلى المنفعة. والشيءُ قد يُسمّى باسم ما يُؤَدِّي إليه قال الله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّى أَراَنِي أَعْصِرُ خَمْرًا}⁣[يوسف: ٣٦] فسمّاهُ خمراً لمّا كان مُؤدياً إلى الخمر والمضرّةُ: هي الألمُ والغمُّ وما يُؤدِّي إليهما