المسألة الثامنة أن الله تعالى غني
  بدليل أنه لا يجوز أن يثبت بأحد اللفظين ويُنفى بالآخر فلا يجوز أن يقال: تضررّتُ بهذا الفعل وما تألّمتُ به ولا العكس بل يُعدُّ من قال ذلك مناقضاً. والألَمُ هو المعنَى المُدرك بمحلٍّ الحياةُ فيه مع النفرة عنه. والغَمُّ: هو علمُ الحيِّ أو ظنه أو إعتقاده بأنّ عليه في الفعل جلب مضرّة أو فوت منفعة، والذي يُؤدِّي إليهما كالمعاصي فإنها وإن كانت شهيَّةً لذيذةً في الحال فإنها تُسمَّى مضرّةً لمّا كانت تُؤدِّي إلى المضرّة وهو العقابُ الدّائمُ؛ والشّيءُ قد يُسمّى باسم ما يُؤَدِّي إليه قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء: ١٠] فسمّى ما يأْكلون ناراً لمّا كان يُؤَدِّي إلى النار. فعُلم بهذا التّدريج ملازمة الحاجة للشهوة والنفار. (وَ) عُلِمَ أيضاً ملازمة (الشَّهْوَة وَالنِّفَار) لِلّذَّة والألم؛ يُعلم ذلك بتأمُّل الحدود التي ذكرنا فافهم أرشدك اللهُ تعالى. فوجب القطع بأنّ الشهوة والنفار (لَا يجُوزَانِ إلّا عَلَى مَنْ جَازَتْ عَلَيْهِ اللَّذَّةُ وَالأَلَمُ) فيلتذّ بإدراك ما يشتهيه ويسترُّ به، ويتألّم بإدراك ما ينفر عنه ويغتم به (واللَّذَّةُ والألَمُ لَا يجُوزَانِ إلّا عَلَى مَنْ جَازَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ) لحصول الزّيادة باللّذة والنقصان بالألم، وعند النظر في حقيقة الألم واللّذة لا يحتاج إلى واسطة الزيادة والنقصان إِذ هما لا يجوزان إلّا على الأجسام وعند جعلهما واسطةً يقال: (وَالزِّيَادَةُ والنُّقْصَانُ لَا يَجوزَانِ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ جِسْماً) ذلك معلومٌ قطعاً، والقصر - كما