كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثامنة أن الله تعالى غني

صفحة 140 - الجزء 1

  أسلفنا - فيه نظر إذ ذلك يدخل الأعراض كما لا يخفى (وَهُوَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ لِأنَّ الأَجْسَامَ مُحْدَثَةٌ وَهُوَ تَعَالَى قَدِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ) من بيان ذلك وإقامة الدليل عليه وأيضاً: فإنّ الشهوةَ والنفار عَرَضَانِ، ولا يكونانِ إلّا في جسمٍ وهو تعالى ليس بجسمٍ،

  وأيضاً فإنه لو كان تعالى مشتهياً ونافراً لكان مشتهياً ونافراً بذاته لبطلان غيرها كما مرّ في الصفات، ولزم أن توجد المشتهيات جميعاً إذ لا اختصاص لذاته لمشتهىً دون مشتهىً، وإذا اشتهاها أوجدها لقدرته عليها، ولو كان نافراً لذاته لم يخلق شيئاً من المنفِّرات فلمّا لم يُوجِد المشتهيات دفعةً وثبت خلقة لشيءٍ من المنفرات مع عدم المانع، دلَّ ذلك على غنائه. ومن الأدلّة على أنه تعالى غنيٌّ: أنه لم يُجبر مَنْ عصاهُ على الطاعة مع القدرة على ذلك (فَثَبَتَ بِذَلِكَ) المذكور من الأدلّة القطعيّة (أنَّ اللهَ تَعَالَى غَنِيٌّ) لا يحتاج إلى شيءٍ أصلاً، لا في وجوده، ولا ذاته، ولا في شيءٍ من صفاته، ولا في أفعاله وتأثيراته، ولا فيما يحتاج إليه الحيّ في منافعه وشهواته. ولهذا بطل قول المعتزلة إنّ الصفات وجبت له تعالى وجازت علينا، فلا بُدّ من أمرٍ أوجبها لَهُ إمّا العلّة أو المقتضي وهو الصِّفة الأخص. ويجب على المكلف إعتقاد أنّ الباري جلّ وعلا غنيٌّ فيما لم يزل وفيما لا يزال ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة بحال من الأحوال.