المسألة التاسعة أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة
  على حدّ رُؤية الأجسام، وهو قول المُجسّمة بناءً على أنه جسمٌ وقد أبطلناه. وقالت المجبرة يُرى لا في جهةٍ بل يُرى في الآخرة بلا كيفٍ فالأشعرية قالوا: لا يُرى بهذه الحاسّة يخلق معنىً: هو الإدراكُ. ورُوي عن الأشعرية روايةً مغمورةً أنه تعالى يُدرَكُ بجميع الحواس، قال أصحابنا: هذه رُؤْيةٌ غيرُ معقولةٍ قال الرازي: مراد أصحابنا - يعني: الأشعرية لأنه أشعريٌّ - بالرّؤية أن يحصل لنا إنكشافٌ تَامٌّ بالنسبة إلى ذاته المخصوصة سبحانه وتعالى تجري مجرى الإنكشاف الحاصل عند إبصار الألوان؛ وهذا الإنكشاف لا يقتضي أن يكون المكشوفُ حاصلاً في جهةٍ، وقال في موضع آخر: ربَّما عاد الخلافُ بين أصحابنا وبين المعتزلة إلى العبارة في هذه المسألة يعني: أنّ هذا الإنكشاف الذي يُسمُّونه رؤيةً بالحاسّة، هو الذي تُسميه المعتزلةُ عِلْماً ضروريّاً، لكن المشهور أنّ الخلاف بين الفريقينِ معنويٌّ. وقال ضرار بن عمرو: إنه تعالى يُرى في الآخرة بحاسّةٍ سادسةٍ لمّا رأى أنّ إدراكه تعالى بإحدى هذه الحواسّ محالٌ، وقوله هذا لا يعقل إذ الرؤية إسم للإدراك بهذه الحاسّة، وممّا يلزمه هو والأشعرية جميعاً صِحّةُ أن يكون اللهُ تعالى مطعوماً، وملموساً، ومسموعاً، ومشموماً، إمّا على جهة غير ما نعقله في الشاهد كما قالته الأشعرية في الرؤية، أو بحواسٍّ أُخَر كما قاله ضرار فيها، وكل ذلك معلومُ الإستحالة.
  (وَالدلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) المذهب الصحيح وهو القول بأنّ اللهَ لا يُرى أبداً (أنَّهُ لَوْ كَانَ يُرَى فِي حَالٍ مِنَ الأحْوَالِ لَوَجَبَ أنْ نَرَاهُ الآنَ) إعلم: أن أصحابنا يستدلُّون على نفي رؤية الباري تعالى من العقل بدليلينِ: دليلُ الموانع ودليلُ