المسألة التاسعة أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة
  المقابلة، واختلفوا في ترجيح أيّهما فقال القاضي عبدالجبار وغيره: هما مُستويانِ في إفادة المطلوب، ورجّح أبو هاشم، وابن الملاحمي، والمهدي # دليل الموانع واعتمده الشيخ في الكتاب، ورجّح أبو علي دليل المقابلة، وبه قال السيد المؤيد بالله.
  وتحريرُ دليل الموانع أن يقال: لو كان الباري تعالى يُرى في حالٍ من الأحوال لرأيناهُ الآن لوجود شرائط الإدراك الثلاثة للمرئيات وهي: سلامةُ الحاسّة، وارتفاع الموانع، ووجود المُدْرَكِ، وذلك (لِأنَّ) من المعلوم قطعاً أنّ (الْحَوَاسَّ سَلِيمَةٌ) بدليل أنّ المدركات تُدْرَكُ بها، ولو كانت سقيمةً لم تدرك بها. والحواسُّ خمسٌ: حاسّةُ السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، فحقيقة حاسّة السمع هي: ما أُدْرِكَ بها الأصواتُ، وحقيقة حاسّة البصر هي: ما أُدْرِكَ بها المُتحيزات والألوان، وحقيقة حاسّة الشّم هي: ما أُدْرِكَ بها الروائح، وحقيقة حاسّة الذوق هي: ما أُدْرِكَ بها الطعوم، وحقيقة حاسّة اللّمس هي: ما أُدْرِكَ بها الحرارةُ والبرودةُ هذا على كلام بعضهم، ومنهم من قال: الّلمسُ ليس بحاسّةٍ لأَنّ للحاسّة شرطين: أحدهما: أن يُدْرَكَ بها ما لا يُدْرَكُ بغيرها من الحواس، والثاني أن تكون في حكم الغير لصاحبها بمعنى يدرك بها، وحاسّةُ اللمس ليست كذلك بل جسد الحيوان جميعه يلمس به وليس هو في حكم الغير. (وَالْمَوَانِعُ مُرْتَفِعَةٌ) وهي ثمانية: الْبُعْدُ، والْقُرْبُ الْمُفْرِطَانِ، والرّقَّةُ واللّطافةُ، والحجابُ الكثيف، وكون المرئي في خلاف جهة الرّائي، وكون محله في بعض هذه الأوصاف، وعدم الضّيآءِ المُناسب للعين. فمثال البُعد المُفرط: الإنسان الذي يكون على بُعْدٍ منّا نحو بريدٍ أو شبهه، والقربُ المُفرط كالميل في العينِ ونحو ذلك، والرّقة كأجسام