المسألة التاسعة أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة
  الملائكة والجنّ، واللَّطافة كالجوهر الفرد في اصطلاح بعض المعتزلة، والحجابُ الكثيف كالجدار والجبل وما يجري مجرى ذلك ممّا يَحُولُ بيننا وبين المرئي.
  وقولنا: الكثيف إحتراز عن الحجاب الرّقيق كالزّجاج ونحوه، وكون المرئي في خلاف جهة الرّائي وذلك نحو أن يكون المرئي خلف الرائي. وكون محله في بعض هذه الأوصاف وهذا مانع من رؤية اللون تبعاً لمحلّه، والموانعُ المُتقدّمة مانعةٌ من رؤية المتحيّزات، وهذا يمنع من رؤية اللون فقط، وعدم الضياء يمنع من رؤية الجميع، ومثال عدم الضياءِ أن يفتح الإنسانُ جَفْنَهُ في موضعٍ مُظلمٍ فإنه لا يَرَى لمّا لم يكن هناك ضوءٌ في الهواء يُعِينُ ضوء العين على الرّؤية، فقد عرفت أنّ هذه الموانع لا تمنع إلّا من رؤية الأجسام والألوان والله تعالى ليس بجسمٍ ولا لونٍ كما بيّناه فيما سلف وأقمنا عليه البرهان. ولا يصح إِدِّعاءُ أن هناك مانعاً سواها إذ لو جوّزنا ذلك لجوّزنا أن يكون بين أيدينا أجسامٌ عظيمةٌ ولا نراها لذلك المانع. فترتفع الثقة بالمشاهدات، ونجوِّز خلاف ما نعلمه ضرورة، وكان يجوز أن يكون أحدُنا على جناح نسرٍ أو في لُجّةِ بحرٍ ونحن لا نَرَى الجناحَ ولا النّسر ولا البحر لمانعٍ غير هذه (وَهُوَ تَعَالَى مَوْجُودٌ) كما تقدّم الكلام عليه (وَهَذِهِ الأُمُورُ الثَّلَاثَةُ هِيَ) الشروط (الَّتِي تَصِحُّ مَعَهَا الرُّؤْيَةُ لِلْمَرئِيَّاتِ) فلمّا لم نره تعالى مع وجودها علمنا أنه لا يُرى. ودليلُ أنها شروط الرؤية للمرئي أنها متى اجتمعت رأينا ما يصح رؤيته، ومتى عدمت أو بعضها لم نره، وليس هناك أمرٌ تعلّق به الرؤية