كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة التاسعة أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة

صفحة 145 - الجزء 1

  سوى مجموع هذه الشرائط إذ لو كان ثَمَّ أمرٌ لصح اجتماعها ولا يرى الواحد منّا بأن لا يحصل ذلك الأمر، أو يصح أن يرى وإن لّم تجتمع هذه الأُمور بأن يحصل ذلك الأمر وقد علمنا خلاف ذلك، فصحّ أنّ هذه الشرائط هي التي معها تُرى المرئياتُ. (وَ) متى قيل: هي موجودة فيقال: بأنه يُرى، وقولكم لم نره الآن دعوى تحتاج إلى دليلٍ. قلنا: (الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّا لَا نَرَاهُ الآنَ أَنَّا لَوْ رَأْينَاهُ الآنَ لَكَانَ مَعْلُُوماً لَنَا بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَمعْلُومٌ) ضرورةً (أنَّا لَا نُشَاهِدُهُ الآنَ) إذ لو شاهدناه الآن لما اختلف العقلاءُ فيه. فهذا دليل الموانع.

  وأمَّا دليلُ المقابلة فتحريره أن يُقال: الواحدُ منَّا إنّما يَرَى بالشعاع، والرّآئي بالشعاع إنّما يَرَى ما كان متحيّزاً أو مُختصّاً بجهةٍ يتصل بها الشعاع، فلو صحت رؤيتهُ لكان متحيّزاً ولاختصّ بجهةٍ يتصل بها الشعاع وذلك باطل في حقه تعالى كما مرّ في نفي التجسيم.

  فإن قيل: إن هذين الدّليلينِ العقليَّينِ إنّما يدلّان على أنّا لا نراه تعالى، وأمّا أنه لا يَرَى نفسه فلا دليل فيهما على ذلك.

  قلنا: إنّ الأُمّة قد افترقت على قولينِ: فرقةٌ قالت إنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره وفرقة قالت: يرى نفسه ويراه غيرُهُ، فالقول بأنّه يرى نفسه ولا يراه غيره قولٌ ثالثٌ رافعٌ للقولين السّابقين فيكون خرقاً للإجماع وأمّا ما روي أنّ بعضهم قال به، فهي حكاية شاذَّةٌ على أن الإجماع منعقدٌ قبل ذلك القائل وبعده فلا إعتداد بخلافه (فَثَبَتَ بِذَلِكَ) المذكور من دليل العقل القطعي (أنَّ اللهَ لَا يُرَى بِالأبْصَارِ لَا