المسألة التاسعة أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة
  فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الآخِرَةِ) وبطل ما قاله المخالفون جميعاً. (وَ) قد جاء السمع مؤكداً لما دلّ عليه العقل من نفي الرؤية قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}[الأنعام: ١٠٣] فنفى سبحانه أن يُدْرَكَ بالبصر مطلقاً في كل وقتٍ، وبكُلِّ بَصَرٍ لأنّ الفعل وقع في سياق النفي المطلق، والأبصارُ جمعٌ معرّفٌ باللّام فكل ذلك يوجب الإستغراق. وقد اعترض الرّازي على الاستدلال بالآية الكريمة فقال: إمّا أن تحملوا الأبصار على حقيقتها أو تجعلوها بمعنى المبصرين، إن قلتم الأوّل لم يصح لكم الاستدلال لأنّا لا نقول إنّ الأبصار هي المُدرِكَةُ له تعالى، وإنّما يدركه المُبصِرُون، وإن قلتم بالثاني لزمكم في قوله تعالى: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبصَارَ} أن يكون معناه: وهو يدرك المُبصَرينَ وهو تعالى يُبصِرُ فيُدرك نفسه فكل من قال إنه يُدرك نفسه قال بأنّه يُدركُهُ غيرُهُ؟.
  والجواب: أنّا لا نحمل الأبصار على حقيقتها إذ لا مدح حينئذٍ، ولا على أنّ المراد بها المُبْصَرُونَ مطلقاً إذ لا دليل فيها على ذلك، بل على المُبصِرِينَ بالأبصار فيكون معناه لا تُدْرِكُهُ أهلُ الأبصار وهو يُدركُ أهلَ الأبْصار، والقديمُ تعالى ليس من أهل الأبصار فاندفع الإشكال، غاية ما يلزم أنه لا يكون في الآية دليل على نفي إدراكه لنفسه صريحاً وإنّما نفى أن يدركه أهل الأبصار فقط، لكنه يلزم من ذلك نفي إدراكه لنفسه لأنّ كل من قال: بأنه لا يُدركه غيرُهُ قال: بأنه لا يُدرك