كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة التاسعة أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة

صفحة 150 - الجزء 1

  تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً}⁣[الأحزاب: ٤٤] واللِّقاءُ الرّؤيةُ. ولا دليل على ذلك، لأَنّك تقول رأيتُ فلاناً وما لقيْتُهُ وتقول: لقيَ الضّريرُ الأميرَ وما رآه، فيكون المعنى يوم يلقون ثوابه وملائكته كما حكى الله تعالى في قوله: {وَالمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ٢٣ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ٢٤}⁣[الرعد] وأمّا قوله #: «سترون ربكم يوم القيامة ... الخبر» فنقول هذا الخبر مقدوحٌ في رَاوِيهِ لأنه مسندٌ إلى قيس بن أبي حازم وقيس يرويه عن جرير بن عبدالله البجلي وكلاهُما مطعونٌ في دينه؛ أمَّا جرير فروي أنه كان يخُون أمير المؤمنين #، ويكتب بأسراره إلى معاوية، وقال: ليس عليٌ من أوليائي، إنّما وَلِيِّي اللهُ ورسولُهُ وصالحُ المؤمنين، ثم لحق بمعاوية بعد ذلك. وأمّا قيس فرُوى أنه كان يَرَى رَأْيَ الخوارج ويقول: دخل بغض عليّ في قلبي. ومن دخل بغض علي في قلبه فأقل منازله أن تطرح روايته لقوله ÷: «لَا يَبْغَضُكَ إلَّا مُنَافِقٌ» وقد قيل إنه مُختلّ الضّبط لأنه خُولِطَ في عقله في آخر مدته ويُروَى أنه كان محبوساً فكان يقرع الباب بيده فإِذا صوّت الباب ضحك، وقيل: إنه كان يسأل الدّراهم ليشتري بها عِصِيّاً ليضرب بها الكلاب، ولعلّه رَوَى هذا الخبر في هذه الحال. وإن سلّمنا صحته قلنا إنه ظنيٌّ لا يصلُح حجّةً فيما نحن فيه، ولا يَقْوَى على مُعارضة الأدلّة القطعيّة التي تقدّمت، مع أنه يحتمل التَّأويل بأن يقال معناه: ستعلمون، لأنّ الرُّؤْية قد تكونُ بمعنى العلم كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيفَ