المسألة الحادية عشرة أن الله تعالى عدل حكيم
  كالظلم والكذب ونحو ذلك، تعالى الله عما يقولون عُلُوّاً كبيراً. وهم موافقون لنا في أنه لا يجوز إطلاق القول بأنّه تعالى يفعل القبيح لأنّ عندهم أنّه تعالى يفعله ولا يقبُح منه، فخلافهم في المعنى دون اللفظ. ومختلفون في ذات بينهم بعد إتّفاقهم على أنه يفعل الظلم ونحوه ولا يقبح منه تعالى. فالأشعرية قالوا: إنّما لم يَقبُح منه تعالى لأنّ وجه قبح الفعل كون فاعله منهيّاً، والنهيُ مُنْتَفٍ في حقّه تعالى، وبعض المجبرة قالوا: إنّما لم يَقبُح منه لكونه رَبّاً لأنّ وجه قبح الفعل كون فاعله مربوباً. وهذه المسألة - أعني مسألة أنّ الباري يقبُح منه القبيح لو فعله فيجب نفيه عنه عندنا لا عند مخالفينا من المجبرة - هي أصلُ مسائل العدل، فإذا تقرّر بطلان قول المخالفين فيها بطل كل قول لهم يتفرّع منها.
  فنقول: قولُ الأشعرية أنّ القبيح لا يَقْبُحُ منه تعالى لكونه غير منهيّ باطلٌ لأنّ العلّة في قبح القبيح ليست هي النّهيَ لأنه قد يَستقبح الفعلَ من لا يعلم النّهيَ كالملحدة النّافين للصّانع، فإنهم لا يعلمون النّاهيَ فضلاً عن النّهي، فلو كان علّةُ قبحه هي النهيُ عنه لم يعلموا قبحه إذ لا يعلمون النّهي. سلّمنا: لزم من ذلك أن يَحْسُنَ الْحَسَنُ للأمر لأنّ القبيح يقابل الحسن والنّهيُ يقابلُهُ الأمر فلا يحسُن من الله حسنٌ لأنه غير مأْمورٍ جلّ وعلا. وقول بعض المجبرة أنه لا يقبح منه تعالى قبيحٌ لأنه غيرُ مربوبٍ باطلٌ أيضاً لأنّ العلّة في القبح لو كانت كون الفاعل مربوباً لَمَا عَلِمَ القُبح من لا يعلم الرّب كالملحدة النّافين للصانع، والمعلومُ خلافُ ذلك. ويلزمهم أن تكون الأفعال كلها