كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الحادية عشرة أن الله تعالى عدل حكيم

صفحة 164 - الجزء 1

  قبيحة لأنّ نسبة الملك والربوبيّة إليها نسبةٌ واحدةٌ فَقُبْحُ بعضها من دون بعضٍ تخصيصٌ من غير مخصِّص وهو مُحالٌ، ثم إنّا لو جوّزنا أنّ الله تعالى يفعل نحو الكذب لزم أن لّا يوثق بخبره تعالى وذلك تكذيب لِلَّهِ حيث يقول: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيْهِ}⁣[البقرة: ٠٢] وقوله تعالى: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}⁣[فصلت: ٤٢].

  ولنا أيضاً دليل الكتاب وهو قوله: (الْدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) أي: القول بأنه تعالى عدلٌ حكيمٌ لا يفعل القبيح (أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِقُبْحِ الْقَبِيحِ) هذا الدليل مبنيٌّ على أربعة أُصولٍ:

  الأوّلُ: أنّه تعالى عالمٌ بقبح القبيح إذ هو عالمٌ بالذّات على ما تقدّم ومن حقّ العالم بالذّات أن يعلم جميعَ المعلومات إذ لا اختصاصَ لذاته بمعلومٍ دون معلومٍ، والقبائحُ من جملة المعلومات، فيجب أن يكون عالماً بها على ما هي عليه.

  والثاني: أنّه تعالى (غَنِيٌّ عَنْ فِعْلِهِ) لِمَا قدّمنا من أنه تعالى غنيٌّ فلا تجوز الحاجة عليه إلى شيءٍ أصلاً فيدخل تحت ذلك الْحَسَنُ والقَبِيحُ.

  (وَ) الثّالث: أنه تعالى (عَالِمٌ بِإسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ) إذ هو عالمٌ بذاته كما مرّ.

  (وَ) الرّابع: أنّ (كُلَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الأوْصَافِ فإنّهُ لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ وَلَا يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ).

  والذي يدل على ذلك ما نعلمه في الشاهد أنّ الواحد منّا إذا كان عاقلاً عالماً بقبح الكذب، وقيل له إنْ صَدَقْتَ أعطيناك درهماً وَإنْ كَذَبْتَ أعطيناك درهماً فإنّه لا يختار الكذب على الصّدق، وإنّما لا يختاره لعلمه بقبح الكذب، وغنائه عن فعله،