كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثانية عشرة أن أفعال العباد حسنها وقبيحها منهم

صفحة 165 - الجزء 1

  وعلمه بغنائه عن فعله، إذ لو زال عنه بعضُ هذه الأوصاف بأن لّم يكن عالماً بقبح الكذب، بأن يكون زائل العقل، أو لم يكن مستغنياً عنه بالصّدق بأنْ يُزاد في الأُجرة على الكذب زيادةً لا يستغنِي عنها، أو لم يكن عالماً بإستغنائه عنه بأنْ يعتقد أنّ الدرهم المتعلّق بالكذب أوْفَى من الدرهم المتعلّق بالصدق، وإن كان ذلك جهلاً منه، فإنه في جميع هذه الأحوال لا يمتنع أن يختار الكذب على الصدق؛ فعلمنا بذلك أنّ الواحد منّا إنّما يمتنعُ من الكذب لإجتماع هذه الأوصاف. فإذا ثبت ذلك وقد علمنا أنّ الله تَعالى أعلمُ العلماءِ بقبح القبائح، وأغنَى الأغنياء عن فعلها، وأعلم العلماء بإستغنائه عنها، فهو أوْلَى أن لّا يختار فعل شيءٍ منها (فَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَدْلٌ حَكِيمٌ) ومِنَ العدلِ والحكمة أن لّا يفعل القبيح كما ذكر.

«المسألة الثانية عشرة» [أنَّ أَفعالَ العبادِ حسنُها وقبيحُها منهم]

  في أفعال العباد: والفعل على ضربينِ: مُخْتَرعٌ، وغيرُ مُخترعٍ، فحقيقة المخترع: مَا وُجِدَ من جهة القادر عليه لا فيه ولا بسببٍ فيه. وقالت البغداديّة: إنّه الفعل الواقع من الفاعل بغير آلةٍ وسببٍ. وغيرُ المُخترع على ضربينِ: مُبَاشِرٌ وَمُتَعَدٍّ. فحقيقة المباشر ما وُجِدَ من جهة من كان قادراً عليه في محل قدرته، وهو على ضربينِ: مبتدأٌ ومتولّدٌ، فحقيقة المبتدإ؛ ما وُجِدَ من جهة القادر عليه في مَحَلِّ قُدرته من غير واسطةٍ وذلك نحو: الإرادة، والكراهة، والظَّنّ، والنّظر. وحقيقة المتولد: ما وُجِدَ من جهة القادر في محل قدرته بواسطةٍ وذلك نحو: العلم فإنه يحصل بواسطة النّظر وكذلك غيره ممّا يوجد متولّداً فينا كالتّأْليفِ،