كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثانية عشرة أن أفعال العباد حسنها وقبيحها منهم

صفحة 168 - الجزء 1

  بطلان قول الجهميّة للفرق الضروري بين أفعالنا وألواننا ونحوها، لكنهم أثبتوا ما لا يُعقل فكانوا أعظم جهلاً من الجهمية. وذهبت الأشعرية إلى الفرق بين المباشر والمتولّد؛ فقالوا في المتولد بقول الجهميّة، وفي المباشر بقول النجارية ومن ذكر معهم، فكانوا أعظم في الجهالة ممّن تقدّمهم لذهابهم إلى الفرق من غير فارقٍ. وأمّا متأخروا علمائهم كالجويني، والغزالي، والرّازي، وأبي إسحاق الإسفرائيني، وقاضيهم الباقلّاني فلم يذهبوا إلى شيءٍ من ذلك بل ذهبوا إلى أنّ قدرة العبد هي المُؤثِّرةُ، لكنهم جعلوها مُوجِبَةً مقارنةً فلزمهم نسبة الأفعال إلى الله تعالى، لأنّ فاعل السّبب فاعل المُسبَّب. وأمّا المُطرفيّة فإنهم يقولون: الفعل الموجود في الفاعل من جهته والذي في غيره من الله تعالى (وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) المذهب الصحيح وهو مذهب أهل العدل ومن وافقهم أنّ أفعال العباد غيرُ مخلوقةٍ فيهم بل هي موجودةٌ بإحداثهم وإرادتهم وتأثيرهم: (أنَّهُ يَحْسُنُ أَمْرُهُمْ بِبَعْضِهَا وَنَهْيُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَثَوَابُهُمْ) ومَدْحُهُم (عَلَى الحَسَنِ مِنْهَا) وحقيقة الحسن: ما لا يستحقُّ على فعله الذّم، فيشمل الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه. وأنت خبيرٌ بأنه لا مدخل للثّواب في المُباح أصلاً، ولا فعل المكروه بل في تركه، فإطلاق أنه يحسُن الثّواب على الحسن لا يخلو من خبطٍ اللَّهُمَّ إلّا أن يكون المُراد به المعنى الخاص وهو ما فِعْلُهُ أوْلَى من تركه كالواجب، والمندوب فقط فذلك مستقيمٌ، ولكن المعنى الأوّل هو المُراد حيث أُطلق في هذا الفن (وَعِقَابُهُمْ) وذمّهم (عَلَى الْقَبِيحِ مِنْهَا) والقبيحُ له حقيقتان: حقيقيّة ورسميّة، فالحقيقيّةُ: هو ما ليس للقادر