كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثانية عشرة أن أفعال العباد حسنها وقبيحها منهم

صفحة 170 - الجزء 1

  فلمّا علمنا الفرق بين الأفعال وبين الصُّور والألوان دلَّ ذلك على أنّ أفعالنا منَّا لا من اللهِ تعالى. دليلٌ ثالثٌ: هو أنّ أفعال العباد لو كانت من الله تعالى لوجب أن يشتقّ له منها إسماً فيُسمّى بفعله للظلم ظالماً، وبفعله للجَوْرِ جائراً كما أنّه لمّا كان فاعلاً للعدل والإحسان سُمّيَ عَادِلاً ومُحسناً، ولا شك أنّ من وصف الله تعالى بالظلم والجور فقد خرج عن دائرة الإسلام ودخل في زمرة الملحدين فبطل إضافتُها إلى الله تعالى. وأمّا ما يتعلّق به أهلُ الكسب فهو تَعَلُّقٌ لا طائل تحته وركونٌ إلى غير معقولٍ وإنّما غرضهم بذلك الفرارُ ممّا ألزمهم أهل العدل من قبح النّهي والأمر وإنزال الكتب وإرسال الرُّسل، لأنّ الأفعال إذا كانت خلقاً لِلّهِ سبحانه لم يَحسُن إرسال الرُّسل ولا إنزال الكتب لأنّ لهم أن يقولوا: إذا كانت أفعالنا خلقاً لِلّهِ سبحانه فينا فَلِأيِّ غرضٍ جئْتُمُونا فإرسالكم يكون قبيحاً لأنَّ الله تعالى إن فعلها فينا حصلت وإن لّم يفعلها لم تحصل فلا فائدة حينئذٍ في إرسالكم إلينا. ثم إنّا نقول لهم: الكسبُ لا يخلو إمّا أن يكون شيئاً خلقه اللهُ أو شيئاً لم يخلقه اللهُ، فإن قالوا: شيئاً خلقه الله فقد لحقوا بمقالة الجهميّة ولزمهم ما ألزمناهم، وإن قالوا: هو شيءٌ لم يخلقه اللهُ فقد أثبتوا العبد فاعلاً لشيءٍ لم يخلقه الله سبحانه وهو الذي نريد، ولأنّ المعقول من الكسب في لغة العرب هو إحْدَاثُ الفعل لجلب منفعةٍ إلى الفاعل أو دفع مضرّة عنه ولهذا لم يجز أن يُسمّى الباري سبحانه مُكْتَسِباً لإستحالة المنافع والمضارّ عليه، فإذا ثبت أنّ العبد مُحْدِثٌ لفعله بطل ما تعلّقوا به من الكسب، ووجب إضافته إلى العبد من كل وجهٍ من الوجوه. وقد أضاف اللهُ تعالى أفعال العباد إليهم في كتابه الكريم بمعنى: الفعل، والخلق،