المسألة الثانية عشرة أن أفعال العباد حسنها وقبيحها منهم
  منه، وعدم المُوجَبِ يَدلُّ على عدم المُوجِبِ، وهو مكلفٌ به قطعاً مع عدم القدرة عليه. فيكون تكليفه به تكليفاً لما لا يُطاق، وأكثرهم لا يقول بجوازه، وأكثر من قال بجوازه لا يقول بوقوعه. ودليل الثّالث: أنها لو لم تصلُح للضّدينِ لجوزنا أن يقدر على حركةِ يمنةٍ أميالاً وفراسخ دون حركةِ يَسْرَةٍ شيئاً يسيراً لأنّ إحدى الحركتينِ ضِدّ الأُخرى، والضرورةُ تَرُدُّ ذلك وترفعُهُ.
  واعلم: أنّ العدليّة قد اتفقت على إنقسام فعل العبد إلى مبتدإٍ وهو الموجود في محل القدرة، ومُتَوَلِّدٍ وهو ما ليس كذلك، واختلفوا في المتولّد، فالذي عليه الزيديّة بأسرهم وجمهور المعتزلة أنّه فعل العبد وتأثيره كالمبتدإ، والخلاف في ذلك مع النظام، والجاحظ، وثمامة بن الأشرس، وصالح قُبّة ثم افترقوا فمنهم من قال: لا فعل للعبد إلّا ما كان مُباشراً، وأمّا المُتعدّي فليس هو فعلاً له وهذا قول معمّر والنّظام وصالح قبة ثم افترقوا فقال النّظام: المُتعدّي مضاف إلى الله تعالى بواسطة الطبع، وقال مُعمّر إلى الطبع وليس بمضافٍ إلى الله تعالى وعنده أنّه لا فعل لِلّهِ غير المتحيّز، ومنهم من قال: لا يفعل العبدُ سوى الإرادة، وما عداها غير متعلّق بالعبد، وهذا قول الجاحظ وثُمامة بن الأشرس، ثم اختلفا فقال الجاحظ: ماخَلَا الإرادة فهو حاصل بالطبع، وقال ثمامة: حَدَثٌ لا مُحْدِثَ لَهُ. قال الدواري: واعلم أنّ المجبرة أحسن حَالاً من هؤلاءِ وأدخل في العذر في نفي الفعل عن العبد لأنّ المجبرة اعتقدوا قُبْحَ إعتقاد أن يكون في الأحياءِ فاعلٌ ومُحْدِثٌ غير الله تعالى، فلم يكن لهم بُدٌّ من نفي الفعل