كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثالثة عشرة أن الله لا يقضي بالمعاصي

صفحة 175 - الجزء 1

  عن الواحد منّا وإضافته إلى اللهِ تعالى، وهؤلاءِ اعترفوا بأنّ العبد محدثٌ لبعض الأفعال. فلا معذرة لهم في نفي غيرها عن كونهم محدثين لها. والدّلالةُ على أنّ العبد محدثٌ للجميع واحدةٌ. والطبع الذي جعله الجاحظُ مُؤثّراً وجعله النظامُ واسطةً فهو غير معقولٍ، فإن أرادا به الاعتماد كان كقولنا ويلزمهم أن لّا يجوز القصاص ولا العقاب إلّا على الإرادة على قول الجاحظ وثمامة، أو المباشر على قول النظام ومعمر، وإن سُلّمَ لزم استواءُ عقاب من قتل زيداً وعقاب من أراد قَتْلَ عمرٍو والإقتصاصُ منهما، وكذلك يلزم إستواءُ مَنْ قتل بالمُتعدّي، ومن فعل فعلاً مُباشراً ولم يقتل به وذلك باطلٌ.

«المسأَلة الثالثة عشرة» [أَنَّ اللهَ لَا يَقْضِيَ بالْمَعَاصِي]

  (أنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ) وإنّما جُعلت هذه من مسائل العدل وإن كان المرادُ بباب العدل: بيان ما يحسُن من الباري تعالى ويقبُح، وهذه فيما يقبح منّا إطلاقُهُ لتضمنها أنّ الباري تعالى غيرُ خالقٍ للمعاصي ولا آمِرٌ بها، وسائرُ أفعالنا حكمها كذلك أنه غيرُ خالقٍ لها ولا آمِرٍ ببعضها. وخالفت المجبرة، وجوّزت إطلاق القول بأنّ المعاصي بقضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ بل لهجهم بذلك وتقحمهم عليه كثيرٌ. (والدَّلِيلُ عَلَى) مذهبنا وفساد ما ذهبوا إليه أنّ القضاء والقدر لفظتانِ مشتركتانِ بين معانٍ: فالقضاءُ بمعنى: الخلْق والتّمام قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}⁣[فصلت: ١٢] معناه: أتَمّ خَلْقَهُنّ. وبمعنى: الإلزام قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}⁣[الإسراء: ٢٣] معناه: أمَرَ وألزم. وبمعنى: الإخبار والإعلام قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلى بَنِي إِسْرَأَئِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ