المسألة الثالثة عشرة أن الله لا يقضي بالمعاصي
  له حينئذٍ (وَلَا يَجُوزُ) القول به (لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا) بالدليل القطعي في ما مرّ (أنَّ) العباد (أفْعَالُهُمْ مِنْهُمْ) وحدوثها على حسب دواعيهم، وانتفاؤُها على حسب صوارفهم (لَا مِنْهُ تَعَالَى) وإذا تقرّر ذلك علمنا أنّ ذلك المعنى في حق الباري تعالى فاسدٌ، فإطلاق اللّفظينِ المذكورينِ يُوهِمُهُ، وكلُّ لفظةٍ هذا حالُها فإنه لا يجوز إطلاقها، وليس العلّةُ مجرّد الإعتقاد بحيث يصح الإطلاق مع إعتقاد المعنى الصحيح لأنّه وإن لّم يكن هناك إعتقادٌ فربَّما توهّم السّامعُ الخطأَ في المتكلم، وإن لّم يكن هناك آدمي يعلمه المتكلم فيجوز أن يكون هناك [آدميٌّ] وهو لا يعلمه، فإن قدّر القطع على أنه ليس هناك آدميٌّ فإن الملائكة والجن إذا سمعوا ذلك منه توهّمُوا الخطأَ منه في إعتقاده، وتعريضُ المكلَّف نفسه للتُهمة بإعتقاد الخطإ لا يجوز لأنّ ذلك ضرر يلحق النفس، ودفعُ الضّرر عن النفس واجبٌ. قال الدوَّاريُّ: وكان يلزم على أُصول المجبرة ألّا يجوز إطلاق القول بذلك في جميع أفعالنا لأنّ من جملة معانى القضاء كونه بمعنى الأمر وهم يُنزّهُون الباري تعالى عن الأمر بالمعاصي لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: ٢٨]. ولكن كان ذلك منهم لِلَهَجهم بالقضاءِ والقدر وتقحمهم للمهالك المُوردة إلى النار لنسبتهم القبيح إلى مولانا ومولاهم، نعوذ باللّه من دأْبهم ثم إنه يُقال لهم: مَنْ قَضَى بعبادة الأوثان والنّيران؟ فإن قالوا: الله، أكذبهم القرآنُ لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣] وإن قالوا: غير الله رجعوا إلى الحق وتركوا مذهبهم، ولا شك أنّ الرجوع إلى الحق أوْلَى من التّمادي في الباطل.