كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثالثة عشرة أن الله لا يقضي بالمعاصي

صفحة 182 - الجزء 1

  واعلم: أرشدك الله تعالى أنَّ الأُمَّة قد اتّفقت على أنّ القدريّة اسمُ ذَمٍّ وقد ورد في ذمّها من الآثار ما هو متفقٌ على صحته. وصرنا نَتَرَامَى نحن والمجبرة بهذا الاسم فنحن نقول: القدرية هم المجبرة، وهم يقولون: بل أنتم القدريّة.

  قلنا: طريقُ الإنصاف أن نتّبع الدليل في ذلك ويشهد بما قلنا ثلاثةُ أدلّةٍ:

  الدليل الأوّل: أنّ القدرية لفظةٌ مشتقّةٌ، وهم يقولون بالقدر ونحن ننفيه، والأسماءُ لا تُشتق من النفي بل من الإثبات ولذلك سُمّي الثنويةُ ثنويّة لإثباتهم الثاّني، ولم نُسَمَّ بذلك لنفينا له.

  فإن قيل: أنتم تقولون بقدرة العبد فهو منسوب إليها؟

  قلنا: فكان يجبُ ضَمُّ القاف.

  فإن قيل: أنتم تقولون المعاصيَ بقدرة العبد؟

  قلنا: لا نتولّع بذلك. وليس من عباراتنا.

  الدليل الثّاني: أنّ لهجهم بإطلاق هذه العبارة، والعربُ يُسمّون من لهج بشيءٍ باسم ذلك الشيءِ، ولهذا سُمِّيَ النبيءُ ÷ تَمْرِيّاً لَبَنِيّاً لكثرة لهجه بهذين الجنسين. والمجبرة لا يفعلون صغيراً من الأفعال ولا كبيراً إلّا ويقولون قضى اللهُ علينا بذلك.

  الدليل الثّالث: أنّا وجدنا في صحيح الأخبار أوصافاً للقدَريّة ليست إلّا فيكم لأنه قد رُوي أنه قال ÷: «صِنْفَان مِنْ أُمَّتِي لَا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي لَعَنَهُمُ اللهُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيئاً» وهم «الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: مَنِ الْقَدَرِيَّةُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْمَعَاصِي وَيقُولُونَ هِيَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وفي روايةٍ: «هِيَ مِنْ قِبَلِ اللهِ» وفي أُخرى: «يَقُولُونَ إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَهَا عَلَيْهِمْ» «قِيلَ: وَمَنِ الْمُرْجِئةُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: الإيْمَانُ قَولٌ بِلَا عَمَلٍ»