كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثالثة عشرة أن الله لا يقضي بالمعاصي

صفحة 185 - الجزء 1

  الله لا يستحقّ العبادة لأنّ من مذهبهم أنه يجوز أن يكون الله تعالى لم يفعل هذه المنافع قاصداً بها وجه الإحسان إلينا بل من غير فضيلة أو فعلها إستدراجاً لنا بها إلى النار وإذا كان كذلك لم يستحق العبادة لأنّها لا تُستَحقُّ إلا على أُصول النِّعمِ. والنّعمُ من حقّها أن يَقْصِدَ بها فاعلُها وجه الإحسان. وقد رُوي عن أمير المؤمنين # أنه لمّا قفل من صِفِّينَ قال له شيخ ممّن كان معه: أتُرى يا أميرَ المؤمنين أنّ مسيرنا إلى الشّام كان بقضاءِ الله وقَدَرِهِ؟ فقال عليٌ #: (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرأَ النَّسَمَةَ: مَا عَلَوْنَا تَلْعَةً وَلَا هَبَطْنَا وَادِياً إلَّا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: عِنْدَ اللهِ أحْتَسِبُ عَنَائي، مَا أَرَى لِي مِنَ الأجْرِ شَيْئاً؟ فَقَالَ عَلِيٌّ #: مَهٍ أَيُّهَا الشَّيْخُ لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لَازِماً، وَقَدَراً حَتْماً لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَسَقَطَ الأمرُ والنَّهْيُ وَلَما كَانَت مَحْمَدَةٌ مِنَ اللهِ لِمُحْسِنٍ وَلَا مذمّةٌ مِنَ اللهِ لِمُسِيءٍ وَلَمَا كَانَ الْمُحْسِنُ بِثَوَابِ الإحْسَانِ أوْلَى مِنَ الْمُسِيءِ، وَلَمَا كَانَ الْمُسِيءُ بعقاب الذَّنْبِ أوْلَى مِنَ الْمُحْسِنِ تِلْكَ مَقَالَةُ عَبَدَةِ الأوْثَانِ وَجُنُودِ الشَّيْطانِ وَخُصَمَاءِ الرّحْمَنِ وَشُهُودِ الزُّورِ وأهْلِ الْعَمَى فِي الأُمُورِ قَدَرِيّة هَذِهِ الأُمّة ومَجَوسهَا، إنَّ اللهَ تَعَالَى أمَرَ تَخْيِيراً وَنَهَى تَحْذِيراً وَكَلَّفَ يَسِيراً لَمْ يُعْصَ مَغْلوباً وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً وَلَمْ يُرْسِلِ الرُّسُلَ عَبَثاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ، قال الشيخ: فما القضاءُ والقدرُ اللّذانِ مَا سِرْنَا إلّا بهما؟ فقال عليٌّ #: الأمرُ من الله والحكمُ ثم تلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}