كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الرابعة عشرة أن الله لا يكلف عباده ما لا يطيقون

صفحة 188 - الجزء 1

  «مثل علم الله فيكم كمثل السماءِ التي أَظَلَّتْكُمْ والأرض التي تُقِلُّكُمْ فكما لا تستطيعون الخروج من السماءِ والأرض فكذلك لا تستطيعون الخروج من علم الله سبحانه، وكما لا تَحْمِلُكُمُ السّماءُ والأرضُ على الذنوب فكذلك لا يحملكم علمُ الله تعالى عليها» ولمّا أورد الشيخُ الحديثَ الذي في الكتاب إستدلالاً على أنه لا يجوز إطلاقُ القول بأنّ المعاصيَ بقضاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ قال: في آخر المسألة كما هي عادتُهُ: (فَثَبَتَ) بما ذكرنا من الدّليل القطعي (أنَّهُ لَا يَجُوزُ إطلَاقُ الْقَوْلِ بِأنَّ الْمَعَاصِيَ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ) وبطل ما قاله المخالفُ.

«المسألة الرابعة عشرة» [أنَّ اللهَ لَا يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ]

  أنّه يجبُ على المكلّف أنْ يعلمَ: (أنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ) وهذا هو قول الأكثر. واختلفوا فقيل: لأنه قبيحٌ كما يجيءُ في دليل الكتاب، وهو تعالى لا يفعلُ القبيحَ كما مرّ وهذا هو قول العدليّة، ومنهم من قال: إنه لا يكلّف ما لا يُطاق لأنه تعالى لا ينفرد بفعل القبيح، ويقولون يصح منه تعالى أن يُكَلّفَ العبدَ ما لا يُطيقُهُ إذا كلّفه بذلك غيرُهُ فيفعل ذلك مشتركاً وهذا قول النجارية، وعندهم أنّ تكليف الكافر بالإيمان ليس بتكليف ما لا يُطاق وإن لّم يكن فيه قدرة على الإيمان، قالوا لأنّ الإيمان يصح من الكافر ويجوز ويتوهم فيحسن من الله تعالى ولا يقبح، ومنهم من قال: لا يكلف ما لا يُطاق لا لقبحه فهو لا يقبح منه، لكن لعدم الدّاعي إذ لا داعيَ له إلى تكليف ما لا يُطاق بل يستحيل عليه، كما يستحيل على الواحد منّا الدّاعي إلى أن تتحرك الجمادات وهذا قول الغزالي، قال بعضُ أصحابنا: وقد ألزمنا المجبرةَ على قولهم بإيجاب القدرة