المسألة الرابعة عشرة أن الله لا يكلف عباده ما لا يطيقون
  مكابرون ومُتعصِّبون لمذهبهم الفاسد. والذي عليه الجمهور من أصحابنا أنّ قُبح ذلك جملةً معلومٌ ضرورةً في الشّاهد والغائب، وأمّا التفصيل فيحتاج إلى دليلٍ (وَ) من هنا قال الشيخ: (الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) أي: أنّ الله لا يُكلّفُ عباده ما لا يطيقون (أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ قَبِيحٌ وَ) قد بيّنا فيما سلف بالدليل القطعي (أَنَّ الله تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ) وبيّنا فيما تقدم أيضاً بطلان أن تكون القدرةُ مُوجبةً وغيرَ صالحةٍ للضّدينِ؛ وذلك هو أصل مذهبهم هنا أنه تعالى يكلف ما لا يطاق، وإذا تقرّر بطلان هذينِ الأصلينِ وهما أنّ الله تعالى يفعل القبيح، وأنّ القدرة مُوجبة غير صالحةٍ بطل ما تفرّع عليهما من القول بجواز تكليف ما لا يُطاق لأنه إذا بطل الأصلُ بطل الفرعُ (وَ) متى قيل: وما (الّذِي يَدُلُّ عَلَى أنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ قَبِيحٌ)؟ قلنا: قبحُهُ على الجملة (هُوَ مَعْلُومٌ ضرورةً) [ولم تدر أنّك أيّها الخصمُ ممّن يجهل الضروريّات، فإن غفل عقلُك وتَاهَ عن الصّواب قلنا مُنَبِّهِينَ لك على أنّ ذلك ضرورة] (أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْبُحُ) في الشّاهد (مِنَ الْواحِدِ مِنَّا أَنْ يَأْمُرَ الأعْمَى بِنَقْطِ الْمُصْحَفِ) نقطاً صحيحاً (وَأَنْ يَأْمُرَ الْمُقْعَدَ بِالجُرِيِّ مَعَ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأنْ يَأْمُرَ مَنْ لَّا جَنَاحَ لَهُ بِالطَّيَرَانِ، وَقُبْحُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً، وَلَمْ يَقْبُحْ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ تَكْلِيفاً لِمَا لَا يُطَاقُ) لفقد ما يصح تعليق القبح عليه سواهُ فصار القبح يدور على كونه تكليفاً لِمَا لا يُطاق وُجُوداً وعدماً بدليل أنا متى علمنا أن ذلك تكليف لما لا