كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الرابعة عشرة أن الله لا يكلف عباده ما لا يطيقون

صفحة 191 - الجزء 1

  يطاق قضينا بقبحه، ومتى لم نعلمه تكليف ما لا يطاق لم نقض بقبحه إِذ لم يحصل هناك وجه آخر من وجوه القبيح، وليس هناك ما تعليق الحكم به أوْلَى، إذ لو كان هناك ما تعليق الحكم به أوْلَى لجاز أن نعلمه تكليفاً لما لا يُطاق ولا نعلم قبحه، بأن لا نعلم ذلك الأمر المؤثّر في القبح، أو لجاز أن نعلم قبحه وإن لم نعلمه لا يطاق، ولا علمنا وجهاً من وجوه القبح [سوى ذلك] (فَلَوْ كَلَّفَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لَكَانَ قَبِيحاً وَاللهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ كَمَا تَقَدَّمَ) قلتُ: وفي قول الشيخ: والذي يدلُّ على أنّ تكليف ما لا يُطاق قبيحٌ هو معلومٌ ضرورةً - ركاكةٌ وقلقلةٌ وكان الأولى في التعبير أن يُقال: وقبح تكليف ما لا يطاق معلومٌ ضرورةً كما هو مُؤَدَّى عبارة الخلاصة. وممّا يَؤَيّد ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦] {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧] وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقول النبيءِ ÷: «إِذَا أُمِرْتُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» احتجّ المخالفُ بأنّ الله تعالى كلّف أبَا جهلٍ ما لم يُطقْ حيث أُمِرَ أن يعلم ما جاء به النبيءُ ÷ وبالإيمان معاً، ومن جملة ما جاءَ به النبيءُ ÷ الإِخبار بأنّه كافرٌ فإعلامُهُ به تكليفٌ، ويلزم التكليف بلازمه وهو الكفر مع الإيمان، والجمع بينها لا يُطاق؟