كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الخامسة عشرة أن الله تعالى لا يثيب أحدا إلا بعمله ولا يعاقبه إلا بذنبه

صفحة 192 - الجزء 1

  الجواب عن ذلك من وجهين:

  أحدهما: ذكره في الأساس وهو أنّ كفر أبي جهل سَبَبُ الإعلامِ بأنّه كافر ضرورةً لَا أنّ ذلك الإعلامَ سَبَبٌ لحصول كفره، وإذا لم يكن الإعلامُ سبباً لم يلزم التكليف بالكفر ولأنّه لم يُكَلَّفْ أبو جهل بالعلم بأنه كافر لحصوله عنده بسبب كفره إذ تحصيل الحاصل مُحالٌ، وكذلك أَمْرُ الحكيم به مُحالٌ فثبت أنه لم يُكَلَّف إلاّ بالإيمان فقط.

  والثاني: ذكره بعض أصحابنا وهو أنّه إنما كلفه بتصديق النبيء ÷ فيما جاء به على الجملة لا في كل فرد إلّا فيما بلغه منها فقط، ولا نسلم أنّ هذا ممّا بلغه إذ لا يجب التّبليغ إلّا إلى من له فيه مصلحة من حكم أو غيره، ولا مصلحة لأبي جهل في ذلك (فَثَبَتَ بِذَلِكَ) الذي قرّرنا من الأدلّة وقطع شبهة المخالف (أنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ) وبطل ما قاله المخالفُ.

«المسألة الخامسة عشرة» [أنّ اللهَ تَعَالَى لَا يُثِيْبُ أَحَدَاً إِلَّا بِعَمِلِهِ وَلَا يُعَاقِبُهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ]

  أنه يجب على المكلَّف أن يعلم (أنَّ الله تَعَالَى) لكونه عدلاً حكيماً (لا يُثِيبُ أَحَداً إلَّا بِعَمَلِهِ وَلَا يُعَاقِبُهُ إلَّا بِذَنْبِهِ) هذا مذهبنا. والخلاف في ذلك مع الحشوية، والأشعرية، والجهمية، ويلزم المطرفية. أمّا الحشويةُ: فإنهم قطعوا أنّ الله تعالى يُعذّبُ أطفال المشركين بذنوب آبائهم يوم القيامة. وأمّا الأشعرية فيُجوِّزون ذلك. والفريقان مُتّفقانِ على أنّ الله تعالى يجوز أن يُثيب بغير عملٍ ويُعاقب بغير ذنبٍ لأنه غيرُ مَنْهِيٍّ ولا يَقْبُحُ منه قبيحٌ أَصلاً. وأمّا المطرفيّة فإنهم