المسألة الخامسة عشرة أن الله تعالى لا يثيب أحدا إلا بعمله ولا يعاقبه إلا بذنبه
  الغير، وبأموات القرون الماضية، وتهدُّم مساكنهم، وهي مُتقدّمةٌ، فقد عرفت أنّ المنافع أربعٌ: تَفَضُّلٌ، وَثَوَابٌ، وَعِوَضٌ، وَلُطْفٌ، وأنّ الثواب هو المنافعُ المستحقّةُ المفعولةُ على جهة الإجلال والتّعظيم؛ فلو أوصلها الله تعالى إلى من لّا يستحقّها لكان قد عظَّم من لّا يستحقّ التعظيم ومعلوم قطعاً أنّ (تَعْظِيمَ مَنْ لّا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ قَبِيحٌ) دَلِيلُهُ ما نعلمُهُ في الشاهد (أَلا تَرَى أَنَّه يَقْبُحُ مِنَ الْوَاحِدِ مِنَّا تَعْظِيمُ الْبَهَائِم كَتَعْظِيمِ الأَنْبِيَاءِ، وَتَعْظِيمِ الأَجَانِبِ كَتَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ) وأن يُنَزِّلَ المُسيءَ في باب التعظيم منزلة المُحسن، ولم يُقبح ذلك لدليلٍ مُنفصلٍ بل: (إنَّما قَبُحَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ تَعْظِيمَ مَن لَّا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ) أي: تعظيم الأنبياء وتعظيم الوالدين، لا التعظيمُ المُطْلَقُ فقد يكون الأجنبيُّ مؤمناً يستحقُّ التعظيمَ، وهذه هي العلّةُ في القبح لا غيرها إذ لا نجد ما تعليق الحكم به أوْلَى. فثبت أنها هي العلَّةُ، وإذا ثبت ذلك لزم - من إثابة الباري تعالى مَن لا يستحقُّ الثّواب - فعْلُهُ القبيحَ وهو لا يصحّ منه تعالى كما مرّ، ولهذه العلّة قَبُحَ السّجودُ للأصنام لأنه تعظيم من لّا يستحقُّ التعظيم. (وَأمّا الدَّلِيلُ عَلَى أنَّهُ لَا يُعَاقِبُ أَحَداً إلَّا بِذَنْبِهِ) النّظرُ هَا هُنَا كما مرّ لأنّ الإشتغال ببيان دليل أصل المسألة: وهو أنّ عقاب مَنْ لا يستحقُّ العقاب قبيحٌ وهذا رجوعٌ إلى نفس المسألة. وفي بعض النسخ: بلفظ: (لَا يُعَاقِبُ مَنْ لّا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فَلِأنَّ عِقَابَ مَن لّا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ يَكُونُ ضَرَراً عَارِياً عَنْ جَلْبِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ وَإسْتِحْقَاقٍ وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الظُّلْمِ). قال الدواري: الأجْوَدُ في حقيقته أن يقال: هو الضّررُ العاري عن إستحقاقٍ أو جلبِ منفعةٍ أو دفع مضرّةٍ،