المسألة السادسة عشرة أن الله لا يريد شيئا من معاصي العباد، ولا يحبها ولا يرضاها
  نهى في بعض الغزوات عن قتل الأولاد فقيل يا رسول الله: أوَ لَيْسُوا أولاد المشركين؟ فقال ÷: «أَوَ لَيْسَ خِيَارُكُمْ أوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ؟ كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا إِمَّا شَاكِراً وإمَّا كَفُوراً» وفي بعض الأحاديث «وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» قوله: أو ليس خياركم أولاد المشركين قال الدواريُّ: يعني بذلك نفسه المقدّسة ÷.
  قلت: في ذلك تَرَدُّدٌ إذ الرّواية مختلفةٌ في كون بعض آباء رسول الله ÷ على مِلَلٍ صحيحةٍ، فيكون كل آبائه مسلمين، أو على الكفر فيكون بعضهم كُفّاراً وقد بسطنا القول في ذلك بعض البسط في شرح التكملة، وقوله ÷: «على الفطرة» المراد بها الخلقة الدّالة على توحيد الله تعالى كما قال تعالى: {فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[الأنعام: ٧٩] أي: خلقهما فيكون معنى الخبر: كل نسمة تولد على الخلقة الدّالة على توحيد الله تعالى وعدله سبحانه، وإنّما تُؤْتَى في إيمانها وكفرها من جهة نفسها، أو من جهة الأبوينِ لا من جهة الخلقة.
  وأمّا الأصل الثاني: فأخذ في بيان دليله فقال: (وَأمّا أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ) وإقامة البرهان عليه (فَثَبَتَ بِذَلِكَ) الدليل القطعي ما ذهبنا إليه من (أَنَّ الله تَعَالَى لَا يُثِيبُ أحَداً إلَّا بِعَمَلِهِ وَلَا يُعَاقِبُهُ إلَّا بِذَنْبِهِ) وبطل ما قاله المخالف.
«المسألة السادسة عشرة» [أَنَّ الله لاَ يُرِيْدُ شَيْئًا مِنْ مَعَاصِي العِبَادِ، ولاَ يُحِبُّهَا ولاَ يَرْضَاهَا]
  في الإرادة: إعلم أنّه لا خلاف بين المسلمين أنَّ الباري تعالى يُوصف بأنه مُريدٌ وكارهٌ وقد نطق به القرآن الكريم ومن خالف في ذلك فقد كفر. ولكن اختلفوا فقال جمهور أئمتنا، والبلْخي، والنّظام، وأبو الهذيل: الْمَرْجِعُ بكونِهِ تعالى مُريداً