كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السادسة عشرة أن الله لا يريد شيئا من معاصي العباد، ولا يحبها ولا يرضاها

صفحة 198 - الجزء 1

  لأفعاله إلى أنّه أوجد أفعاله وهو عالمٌ غيرُ سَاهٍ ولاممنوعٍ. والمرجعُ بكونِهِ مُريداً لأفعال غيره أنه آمِرٌ بِهَا، والْمَرْجِعُ بكونه كارهاً لأفعال غيره أنّه نَاهٍ عنها، وهذا معنى قول أئمتنا إنّ إرادة الله تعالى مُرَادُهُ. وقد زعم الدواريُّ أنّ القائل بأنّ إرادة الله مُرَادُهُ هو قول المطرفيّة، لا أنّ هناك صفةً له ولا معنىً غير المُراد، وكلامه ظاهر الدّلالة على أن قولهم يُخالف قول من تقدّم قال: وتمسكوا بلفظة رووها عن الهادي # وهي قوله: إنَّ إرادةَ الله مراده، قال: إن صح ذلك عن الهادي فالمعنى كمراده. قلت: وهو خلاف الظاهر. وأمّا أبو الحسين وابن الملاحمي فإنهما قَالَا: المرجع بكون المُريد مُريداً إلى أنّ له داعياً، والمرجع بكون الكاره كارهاً إلى أنَّ له صارفاً ثم افترقا بعد ذلك، فابن الملاحمي أطلق ذلك شاهداً وغائباً، وأبو الحسين قال ذلك في الغائب فقط، وفي الشاهد كمذهب جمهور المعتزلة كما نُبَيِّنُهُ الآنَ. وقالت الأشعرية: المرجع بكونه كارهاً إلى أنه غيرُ مُريدٍ. وقال بعض الزيديّة وجمهور المعتزلة: بل هو تعالى مريدٌ على حدّ إرادة الواحد منّا فهو مريدٌ بإرادة خلقها اللهُ تعالى مقارنةً لخلق المُراد غير مُرادَهٍ في نفسها، ولا محلّ لها فهي عَرَضٌ لا في محلٍّ إذ الباري تعالى لا يحلّه العرضُ، ولو حلّت في غيره كان إذاً هو المُريدُ فاختصت به على أبلغ الوجوه لأنّ الباري تعالى لا في مَحَلٍّ، وقالوا: لم يُرِدْهَا، فِرَاراً مِنَ التسلسل، وقالوا مُقارنةً إذ لا يجوز تقدُّمها على المُراد لأنّ أحدنا لا تتقدم إرادته إلّا لتوطين النّفس على تحمل المشقّة أو لتعجيل المسرّة وكلاهما مستحيلٌ على الله تعالى.

  قلنا: قولكم مبنيٌّ على أصلٍ