المسألة السادسة عشرة أن الله لا يريد شيئا من معاصي العباد، ولا يحبها ولا يرضاها
  باطلٍ وهو أنّكم على زعمكم اعتمدتم ذلك بطريقةِ سَبْرِ وهي أنّ الباريَ تعالى لا يخلو إمَّا أن يكون مُريداً لذاته أو لغيره، باطل أن يكون مريداً لذاته للزوم أن توجد جميع المُرادات إذ لا اختصاص لبعضها حينئذٍ، فإن كان لغيره فلا يخلو إمّا أن يكون فاعلاً أو علَّةً، باطلٌ أن يكون فاعلاً وإلّا لزم أن يكون الباري تعالى من جنس المقدورات وقد مرّ بطلانُهُ. وإن كان علّة فلا يخلو إمّا أن تكون قديمةً أو محدثةً، باطلٌ أن تكون قديمةً إذ لا قديم غير الله تعالى كما مرّ بيانُهُ، بَقِيَ أن تكونَ لعلّةٍ محدثةٍ وهي: الْعَرَضُ الذي لا محلّ له؛ المخلوقُ بغير إرادةٍ، ونقول: رُمتم حصر الأقسام فما استوفيتموها، ما لكم لا تقولون: أوْ لَا لِذَاتِهِ ولا لغيره، فإنّ هذا القسم هو المعتمد الذي قام عليه الدليل، وذهبت إليه أئمةُ العترة لأنه كما أنه فاعل لا بحركةٍ فهو مريدٌ لا بإرادةٍ لوجوب كونه سبحانه في ذلك بخلاف المخلوق.
  وقولهم إنّه خلقها ولم يردها باطل إذ المعلوم عند كل عاقل أنّ الفاعل إذا فعل شيئاً لا يريده فهو إمّا زائل العقل أوْ سَاهٍ أوْ مُلْجَأٌ والله يتعالى عن هذه الأوصاف، وقولهم إنها مختصّة بالباري تعالى على أبلغ الوجوه لأجل كون الباري موجوداً لا في محلّ باطلٌ أيضاً لأنه إذا لم يجُز أن يُؤدّيَ الدليلُ إلى إثبات عرضٍ لا في محل في حق المخلوق لم يجُز أن يُؤدِّيَ إلى ذلك في حق الباري تعالى أوْلَى وأحْرَى. وهم مجمعون مع الأئمة على أنه يستحيل في الشاهد وجودُ عرضٍ لا في محلّ ولم يستحل إلّا لكونه عرضاً، ولا مخصص في ذلك العرض دون ماعداه وإلّا لزم تجويز وجود حركةٍ لا في متحرّكٍ وذلك باطلٌ، وقولهم: إنّ الدليل أدَّاهم إلى ذلك في حق الباري تعالى لأجل كونه لا في محلّ باطلٌ أيضاً لأن جملة العالم لا في محل فيلزم اختصاصه بعرضٍ لا في محلٍّ إذ العلّةُ قائمةٌ ثم إنّه لو جاز أن يثبت للباري تعالى إرادةٌ لا في محلّ جاز أن يثبت له حركةٌ لا في محل وشهوةٌ لا في