كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السادسة عشرة أن الله لا يريد شيئا من معاصي العباد، ولا يحبها ولا يرضاها

صفحة 203 - الجزء 1

  بدليل أنه لا يصحّ نفيُ بعضها وإثباتُ الآخر (وَ) معلومٌ أنّ (إرَادَةَ الْقَبِيحِ قَبِيحَةٌ وَاللهُ تَعَالى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ) هذا الأصل قد قام الدليل عليه. وأمّا الأصل الذي قبله وهو أنّ إرادة القبيح قبيحةٌ فقد أخذ في بيان دليله فقال: (وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أنَّ إرَادَةِ الْقَبِيحِ قَبِيحَةٌ) هو ما نعلمه في الشاهد و (مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلِهَذَا أنَّ الْعُقَلَاءَ يَذُمُّونَ مَنْ أَرَادَ الْقَبِيحَ كَمَا يَذُمُّونَ مَنْ فَعَلَهُ وَتَسْقُطُ مَنْزِلةُ الْمُرِيدِ لِلْقَبِيحِ كَمَا تَسْقُطُ مَنْزِلَةُ مَنْ فَعَلَهُ) فلو أخبر عن نفسه مُخْبِرٌ وهو من أهل العفّة والصّلاح أنه يُريد القبائح ويحبها لا على معنى أنّه يشتهيها بل على معنى الإرادة الحقيقيّة تبادرت العقلاءُ إلى ذمّه وسقطت منزلتُهُ عندهم وذلك ظاهر لكل عاقل (وَقَدْ) جاءَ السّمع بتأْييدِ ما ذهبنا إليه في أصل المسألة قال تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ}⁣[الزمر: ٠٧] وقال تعالى: {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ}⁣[غافر: ٣١] وقال تعالى: {واللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ}⁣[البقرة: ٢٠٥] فنفى عن نفسه إرادة ما ذُكِرَ، ولا يجوز إثباتُ ما نفاه الله سبحانه لأنه يكون تكذيباً للصّادق وذلك لا يجوز. وقد أثبت لنفسه كراهة المعاصي فقال تعالى: {كُلُّ ذلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}⁣[الإسراء: ٣٨]، فإذا كان كارهاً لها بطل أن يكون مُريداً لها، ويدل على ذلك قول النبيء ÷: «إنَّ اللهَ كَرَّهَ لَكُمُ الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ، والرَّفَثَ فِي الصِّيامِ، وَالضَّحْكَ بَيْنِ الْمَقَابِرِ»، فإذا كان الله تعالى كارهاً لهذه الأفعال فكيف