المسألة السادسة عشرة أن الله لا يريد شيئا من معاصي العباد، ولا يحبها ولا يرضاها
  يجوز لمن يدّعي الإسلام أن يَنْسُبَ إلى الله تعالى إرادةَ قَتْلِ الأنبياءِ $ وسائر الفواحش تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً. ومن أنصف من نفسه كفاه القليلُ ومن كَابَرَ فضحه الدّليلُ. دليلٌ آخر: على أنّ الله تعالى لا يُريد القبيح: أنه قد ثبت أنّ الشياطين يُريدون القبائح من العباد وثبت أن الأنبياءَ $ كارهون لها فلو كان الله تعالى مُريداً للقبائح كما تزعمه المجبرةُ لكانت الشياطينُ موافقين لِلَّهِ تعالى في إرادته ولكان الأنبياءُ $ مخالفين لِلَّهِ سبحانه في إرادته، وكل مذهبٍ أدَّى إلى أن يكون الشيطان موافقاً لِلَّهِ تعالى والنبيءُ مخالفاً لَهُ وجب القضاءُ بفساده. وأمّا ما يتعلق به المخالف من قوله: لو وقع في مُلْكِ اللهِ ما لا يُرِيدُهُ لكان ضعيفاً عاجزاً فذلك لايصحّ لأنّا نقول له: إنّما يَدُلُّ على عجزه لو وقع على سبيل المُغالبة، ولاشك أنّ اللهَ تعالى قادرٌ على منع العُصاة من القبيح لكن لو منعهم بالقهر لبطل التكليفُ، ولأنّ الله تعالى قد أمَرَ بالطاعة ونهى عن المعصية فوُجِدَ في ملكه ما نهى عنه ولم يوجد في ملكه ما أمَرَ به، فكما أنّ ذلك لا يدلُّ على عجزه وضعفه كذلك في مسألتنا. وكذلك ما يتعلّقون به من لفظ المشيئة نحو قوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}[الأنعام: ١١٢] وقوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: ٩٩] وغير ذلك. فنقول: المُرادُ - بهذا كله وما أشبهه - مشيئةُ الإكراه لأنه قادرٌ على أن يجبر العباد على الإيمان وعلى أن يمنعهم من العصيان، لكن لو منعهم من ذلك لبطل التكليفُ لأنّ من شرائط حُسْنِ التّكليف زوال المنع والإلجاءِ، وإذا منعهم الله تَعالى لم يستحقُّوا على الْحَسَنِ مدحاً ولا