كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السابعة عشرة في الآلام

صفحة 206 - الجزء 1

  عند أبي الحسين، والإمام يحيى؛ وهو مقتضى ما رُوي عن القاسم، والهادي @ إلى صفةٍ للمُتألم وهي: كونه مُتَأَلِّماً وهذه الصّفة بالفاعل فما وقع من ذلك بإختيارنا فالصفةُ حاصلةٌ منّا، وما كان بغير إختيارنا فهو صفةٌ من جهة الله.

  واعلم: أنّ الآلامَ مضرّةٌ عاجلةٌ وإنّما تحسن لوجوهٍ خَفِيّةٍ حتى أنّ الجهل بوجوه حُسنها أصلٌ في ضلال فِرَقٍ كثيرةٍ كالدّهرية فإنهم قالوا: لو كان للعالَم صانع مختار لَمَا صدر عنه هذه الآلام الضّارة التي لا غرض فيها أصلاً، والثنويةُ فإنهم جعلوا لها فاعلاً غير فاعل الخير لإعتقادهم كونها شرّاً محضاً. وقد مرّ إبطال مقالة هاتين الفرقتينِ الضّالتينِ، والتناسخية لَمّا لم يَرَوا بُدّاً من القول بحُسنها إرتكبوا لتصحيح ذلك أنّ أرواح الأطفال والبهائم قد عصت في هياكل غير هذه فعُوقبت في هذه، وقولهم لم يدل عليه دليلٌ، وكان يلزم أن يحسُن سَبُّ الطفل والبهيمة عند أَلَمِهمَا، والبكريّة لَمّا لم يصح لهم ذلك التّناسُخُ نَفَوْا تَأَلُّم الأطفال والبهائم أصلاً وقالوا: إنها لا تُدْرِكُ أَلَماً البتّةَ، وكلامهم مخالفٌ لِمَا هو معلومٌ من شاهد الحال من تضرُّرها ضرورةً. والمجبرة لمّا جهلوا حُسنها قالوا: لا يقبح من الله تعالى قبيحٌ وأنه يفعل في ملكه ما شاءَ ولو وقع مثل ذلك منّا لقبُح فهؤلاءِ كلهم قد ضلوا بسبب جهلهم وجه حُسن الآلام فتعين حينئذٍ وجوب معرفة ذلك الوجه ونقول: الآلامُ لا تكون إلّا من فِعْلِ فاعلٍ لبطلان تأثير غير الفاعل، وهو من المقدورات المشتركة بيننا وبين الباري تعالى على ما يجيءُ بيانُهُ إن شاءَ الله تعالى. وقالت الطبائعيّة وسائر المطرفيّة: بل من الطبائع وإحَالَاتِ الأجسام. وقالت المنجِّمةُ: بل من النُّجوم.