كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السابعة عشرة في الآلام

صفحة 207 - الجزء 1

  قلنا: حادث مع الجواز وإلَّا لم يكن وقتٌ أوْلَى به من وقتٍ فلا بُدّ له من مُحدثٍ قادرٍ لِمَا مرّ في إثبات مُحْدِثِ العالَم. ثم إنّ طبع الطّبائعي غير معقولٍ في نفسه ثم نقول له: لو كان مُوجَباً عن الطبع على حدّ إيجاب العلل لم تختلف الحال فكان يجب في من صار في ذلك الموضع ومن أتى عليه ذلك الزمان أن ينزل به ذلك الألمُ. ومعلوم أنّ أحوال الناس تختلف في ذلك. وأمّا إختلافه بإختلاف الزمان والمكان فذلك بإختيار الله سبحانه وإحداثه وإجرائه العادة في استمرار ذلك في الغالب لمصلحةٍ يعلمُها اللهُ تعالى كما في حصول المولود من ذكر أو أنثى وحصول النبات عند البذر والسّقي، وكون الحيوانات والنّباتات بعضُها من جنس ما هو أَصلٌ فيها. وأمّا ما رواه جهلةُ المطرفيّة أنّ النبيء ÷ قال: «حَاذِرُوا بِلَادَ الأسْدَامِ فَإنَّهَا تَحُثُّ في الآجَالِ».

  فجوابه: من وجوهٍ: أحدُها: أنّ هذا خبرٌ آحاديٌّ ومسألتنا قطعيّة. الثاني: أنه معارضٌ بما رُوي عن النبيء ÷ أنه قال: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ». الثالث: أنّ الخبر إنْ صحّ فمعناه أنه لا يمتنع أن يعلمَ اللهُ تعالى أنّ الصّلاح بإماتة كثيرٍ ممّن دخلها ومرضه، بخلاف غيرها كما علم أنّ الصلاح متعلّق بالموت عند تناول السُّم وإن كان تناول السُّم غير مؤثّر في الموت ولا موجب له. فإن قيل: إذا كانت الأمراضُ النّازلةُ بنا في بلاد الوباءِ والأسدام من فعله تعالى فَلِمَ أمرنا بالتَّوَقِّي لذلك، ونهانا عن الكون في بلاد الأسدام، وإن كان في المرض الذي يُصيبنا فيه مصلحة؟

  قلنا: من حيث أنّ ذلك ضررٌ ودفع الضّرر النّازل بنا من اللهِ تعالى ومن