المسألة السابعة عشرة في الآلام
  تفضُّل لا إنصاف، ولا بُدّ من الإنصاف. قلتُ: المحكيُّ عن قاضي القضاة، وغيره من المعتزلة، وعَوّل عليه المهدي # أنه لا يجوز أن يُمكّنَ اللهُ تعالى حيواناً من إيلام غيره إلّا حيث عَلِمَ من حال ذلك الحيوان أنه يُوَافِي في الآخرة وله من العوض ما يوافي ذلك الغير وإلّا منعه منه وقبح منه تمكينه؛ وخالفهم في هذا أبو هاشم وقال: يجوز تمكينه ويكون الذي يوفِّي عنه هو اللهُ تعالى، وردُّوا على أبي هاشم قوله، بأنّ ذلك تفضُّل لا إنصافٌ.
  قال إمام زماننا أيّدهُ اللهُ تعالى: يجوز الوجهان. ويجوز أيضاً أن يُقضى من أحد نَوْعَيِ الثّواب وهو التنعُّم دون التعظيم، ولا مانع من تفضُّله بالقضاءِ كالمتفضِّل بقضاءِ الأرش وقد حصل الانصافُ لأنه عن الجناية فلا وجه لقول البهاشمة، وإذا وجد ما يقضي منه من عوضٍ أو نحوه فلا مُوجب لاستحقاق أن يُقضى عنه فلا وجه لما قاله أبو القاسم. وإن كان المجنيُّ عليه غير مُكلّفٍ فلمصلحةٍ يعلمها الله تعالى كما مرّ للتخلية، ويجوز ذلك مع عدم أعواض الجاني، فيوفي الله عنه وفاقاً لأبي هاشم وخلافاً للقاضي وغيره، قالوا: لأنّ ذلك تفضل لا إنصافٌ. قلنا: قد حصل الإنصاف مع الحكم بالزّيادة في عذاب الجاني كما قدّمنا فيكون كالقصاص، فإن كانت الجنايةُ على جهة الخطإ فكجناية التّائب في الوجهين أعني: حيث يكون المجنيُّ عليه مُكلَّفاً أو غير مُكلّفٍ وسواءٌ أكان الجاني مؤمناً أمْ ذَا كبيرةٍ لعموم أدلّة العفو عن الخطإِ. واعلم أنَّ الله تعالى يبعثُ البهائم يوم القيامة ويتفضّل عليها بما شَاءَ من الأعواض لقوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن