كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثامنة عشرة في الكلام

صفحة 218 - الجزء 1

  بقولهم في نفسي كلامٌ؛ باطلٌ لأنّ ذلك من قَبِيلِ المجاز إذ لا دليل على ذلك الكلام النّفساني لأنّ أحدنا لا يجد من نفسه حال التّكلم ولا قبله إلّا العلم بترتيبه أو التفكر فيه فإن عَنَوْا بالكلام النّفسي ذلك العلم أو التفكر فخطأٌ في العبارة وغلطٌ في الإطلاق، وإن أرادوا غير ذلك فغيرُ معقولٍ وإلّا لزم أن يُسمّي السّاكتُ متكلماً وكذا الأخرس وقد بيَّنَّا بطلانه.

  واعلم: (أنَّ) النّاس مختلفون في هذا (الْقُرآنِ الْمَتْلُوّ فِي الْمَحَارِيبِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) المحفوظِ في الصُّدور - وله أسماءٌ ثمانيةٌ: قرآنٌ، وفرقانٌ، وكتابٌ، وذكْرٌ، ورُوحٌ، قال تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}⁣[الشورى: ٥٢] ونورٌ قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا}⁣[التغابن: ٠٨] وهُدىً قال تعالى: {وَهُدًى لِلنّاسِ}⁣[الأنعام: ٩١] - هل (هُوَ) كلام الله تعالى أو هو غيره؟ فالذي ذهب إليه أكثر أهل العدل، وهو قول كثيرٍ من الفرق أنّه: (كَلَامُ اللهِ تَعَالَى دُونَ أنْ يَكُونَ كَلَاماً لِغَيْرِهِ) وطريقنا إلى ذلك أنه لا يمكن القادرين بالقدرة إيجادُهُ على ذلك الحدّ: من التّرتيب، والنّظم، وكونه في أعلى طبقات البلاغة لا يوجد مثله في فصاحته إلّا بزيادة علمٍ من الله تعالى يَعْرِفُ هذا من عرف السِّيَرَ والتّواريخَ حيث عجزت العربُ - وهم حينئذٍ الصّميم - عن الإتيان ببعضٍ منه، وكذا من عرف قوانين البلاغة، وهي