كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة الثامنة عشرة في الكلام

صفحة 220 - الجزء 1

  مخالفاً لذلك، فإن كان من جنس الأصوات والحروف فلا شُبهة في حدوثه وإن كان مخالفاً لذلك لم يصح أن يكون كلاماً وأنْ يُفْهَمَ به شيءٌ. فالمثبتُ لكلامٍ مخالفٍ للكلام المعقول فيما بيننا فإنه في حكم من يُثبت جسماً مخالفاً للأجسام المعقولة فيما بيننا، ويُثبت مع الله تعالى جسماً قديماً مخالفاً لسائر الأجسام، ومن يزعم أنّ الكلام معنىً في النفس، وأنّ الحروف المسموعة دلالة عليه فهو في التّجاهل بمنزلة من يزعم أنّ الصوت معنىً في النفس، وأنّ المسموع منه دلالة عليه، وأنّ اللون معنىً في النفس والمرئيُّ منه دلالةٌ عليه، وأيضاً فإنه يلزم أن يكون هَاذِراً و عابثاً فيما لم يزل ومُخَاطِباً للمعدوم، فهو يقول فيما لم يزل: يا موسى، يا عيسى، يا إبراهيم وغير ذلك ممّا احتوى عليه القرآنُ من التّهديد، والوعيد، والقصص، والمواعظ، كل ذلك يُحدّثُ به نفسه ويَهْذُو به، ولا ينفك عن التَّكلم به، وقد عُلم أنّ مثل ذلك هذيانٌ، ولا يَحْسُنُ أن يُقدّر في رجلٍ موصوفٍ برزانة العقل وجودة الوقار فكيف يُجعل صفةً لازمةً لِمَلِكِ الملوك وعلّامِ الغيوب المنزّه عن دقائق النّقائص وصغائر العيوب تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

  وأيضاً: فإنّ (النبيء ÷ كَانَ يدِينُ بِذَلِكَ) أي: بأنه كلام الله تعالى: (وَيُخْبِرُ بِهِ وهو ÷ لَا يَدِينُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يُخْبِرُ إلَّا بِالصِّدْقِ) فهذانِ أصلانِ نبّه على كونهما مقطوعاً بهما بقوله: (وَذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً عِنْدَ كُلِّ مَنْ عَرَفَ النَّبِيءَ ÷ وَعَرَفَ آثَارَهُ