كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة التاسعة عشرة أن القرآن محدث

صفحة 224 - الجزء 1

  مَعْنَى الخلْقِ حاصلاً فيه؛ لإيهامه أنه مكذوبٌ لأنّ الخلق قد يُستعمل في اللُّغة بمعنى الكذب نحو قوله تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}⁣[العنكبوت: ١٧] ونحو قوله تعالى: {إِنْ هذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}⁣[ص: ٠٧].

  (وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ) المذهب الصحيح وهو القول بأنه مُحدثٌ مخلوقٌ (أَنَّهُ) حروفٌ وأصواتٌ وهي غيرُ باقية فضلاً عن أن تكون قديمةً وأنه مُتعدّدٌ مُرتّبٌ، أمّا التعدُّد فلأنه حروفٌ وكلماتٌ ذات كثرة وتَعَدُّدٍ، وأمّا الترتيب فلتقدم بعض حروفه على بعض وتأَخُّر بعضها عن بعضٍ، وإذا قطعنا بأنه (مُتَعَدِّدٌ وَمُرتَّبٌ مَنْظومٌ فِي الْوُجُودِ يوجد بعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ) وجب القطعُ بأنه محدثٌ لأنّ (الْمُرَتَّبَ عَلَى هَذا الْوَجْهِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُحْدثاً وَذَلِكَ ظَاهِرٌ) فإن وجوب ترتيبه من ضروريّات إفادته، ألَا تَرَى أنّ قول اللهِ تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}⁣[يونس: ١٠] حروفٌ وقد تقدّم بعضُها على بعضٍ فلولا أنّ اللّام مُتقدّمةٌ على الحاءِ والحاءُ مُتقدّمٌ على المِيم والميمُ متقدمةٌ على الدّال لم تكن كلمة مفيدة لهذا المعنى بل كان يجب لو وجدت معاً أن لّا يكون حمداً أولى من أن يكون دَمْحاً فبان أنه مرتب في الوجود وأنّ بعضه متقدّمٌ على بعضٍ؛ والذي يدل أنّ ماذاك حالُهُ يجب كونه محدثاً: أنَّ المسبوق من حروفه يجب أن يكون مُحْدَثاً لأنه قد تقدّمه غيرُهُ وهو السّابقُ له في الوجود، وما تقدّمه غيرُهُ فهو محدثٌ، وكذلك السّابق على المُحدثِ بوقتٍ واحدٍ أو أوقاتٍ محصورةٍ محدثٌ أيضاً لأنه قد صار لوجوده أول يُشار إليه (وَقَدْ) جاءَ السّمعُ بتأييد ما ذهبنا إليه قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِن رَّبِّهِم