المسألة التاسعة عشرة أن القرآن محدث
  وأمّا القائل بالكلام النّفساني وأنه هو القديمُ، وهذا محدثٌ فقد تقدّم الجواب عليه في المسألة الأُولى ولا كلام عليه في هذه المسألة إذ هو موافقٌ في أنّ هذا القرآن محدثٌ. وأمّا ما يقوله محمد بن شجاع ومن وافقه من أنّ القرآن ليس بمخلوق فذلك باطل لأنّ المخلوق في أصل اللغة هو المحدثُ مُقَدَّراً يقولون: خلقتُ الأديم هل يجيءُ منه مطهرةٌ أي: قدّرتُهُ قال الشاعر:
  وَلأنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبعْ ... ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
  وقال الله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}[المائدة: ١١٠] أي: تُقَدِّرُ؛ وإنّما لم يُوصف أحدنا الآن بأنه خالقٌ إذا وُجِدَ منه فعلٌ مُقَدَّرٌ لأنّ الشرع منع من ذلك، فلا يُسمّى خالقاً إلَّا اللهُ تعالى، وإذا ثبت ذلك فالقرآنُ محدثٌ مُقدَّرٌ، ومعنى التقدير فيه: وُجُودُهُ بحسب المصلحة، وعلى قدر الحاجة من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ وقد قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الزخرف: ٠٣] معناه: خلقناهُ بدليل قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام: ٠١] أي: خلقهما، وقد رُوينا عن النبيء ÷ أنه قال: «كَانَ اللهُ وَلَا شَيْءَ ثُمَّ خَلَقَ الذِّكْرَ» وقد بيّنا أنّ القرآن يُسمَّى ذِكْراً فصحّ وصفُهُ بأنه مخلوقٌ. وأمّا ما تقوله المطرفيّة من أنه ليس بمُحدثٍ ولا قديمٍ فهو تجاهلٌ وخروجٌ عن قضايا العقول، لأنّ كل عاقلٍ يعلمُ أنّ الموجودَ لا يخلو من قِدَمٍ أو حُدُوثٍ وقد ثبت أنّ القرآن موجودٌ، وبطل أنْ يكون قديماً، فيجب أن يكون مُحدثاً فصحّ بهذه الجملة ماذهبنا إليه وبطل ماقاله المخالفون.