كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

العقل

صفحة 42 - الجزء 1

  دليلُهُ الآية الأخرى وهي قوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا}⁣[الأعراف: ١٧٩]. ونظيره ما يُقال: هذا الأمر واضحٌ لمن له عينٌ وأُذنٌ، وتارة يُزادُ يبصر بها ويسمع بها فبطل ما قالوا.

  وأما محلُّه: فذهب أئمتنا $ والمعتزلةُ أنّ محله القلبُ لقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}⁣[الحج: ٤٦]، ودلالتها على المطلوب ظاهرة، لأنه كما يُحكم - في قول القائل له عينٌ يُبصر بها - إنّ البصر معنىً محله العين، كذلك يحكم بأنّ معنى قوله: {يَعْقِلُونَ بِهَا} أنّ العقل معنىً محله القلب، هذا لا شك فيه ولا مرية، ولا دليل على ما ذكرنا سوى السّمع، وقد صحّ الإستدلال به بما يأتي إن شاء الله تعالى.

  وقالت الفلاسفة: محله الدّماغ، ودليلهم ما يُعلم من كَيِّ دماغ متغيّر العقل وصلاحه به؛ وذلك يدل دلالةً ظاهرةً على كونه فيه، ولا حجّة لهم في هذا، لأنّا نقول: له مادّة من الدماغ ككَيِّ باطنِ العقب لبعض أوجاع البطن، وكالمجبوب، فإنها لا تنبت لحيته والفساد وقع بالجَبّ وموضع نبات الشعر سالمٌ، لكن هناك موادّ من ناحية الموضع الذي جُبّ. فلمّا انقطعت تلك المواد لم ينبت الشعر، فالشَّعَرُ دليلٌ على الذّكر ولا يعدم الشعر مع وجود الذكر إلَّا في النّادر من الناس ويُقال له: الكوسج الذي ذمّه أميرُ المؤمنين # في قوله: (لا يوجد في أربعين كوسجاً رجلٌ خَيِّرٌ).

  ثم اعلم أنّ الذين قالوا بأنّ العقل عَرَضٌ محله القلب كما هو المختار اختلفوا في تعيينه، فقال جمهور أئمتنا: إنه معنىً غير العلوم العشرة الضرورية، إذ هو مُدْرِكٌ وهي