المسألة العشرون في النبوءة
  كما سيأتي بيانُهُ إن شاء الله تعالى. قال أكثر العقلاءِ: وبعثة الأنبياءِ $ حسنةٌ غيرُ قبيحةٍ ولا مُمتنعة لما قرّرنا أنها من العدل والحكمة. وقالت البراهمة: إنها قبيحةٌ لا تحسُن إذ العقلُ كَافٍ في إدراك القبيح والحسن فنحن نعمل به ولا نقبل ما خالفه، فإنا نعلم بعقولنا ضرورةً قبل الأنبياء قُبْحَ ذبح البهائم كما نعلم قبح كل ظلم، ونَعُدُّ ذلك من علوم العقل، فلو قَبِلْنَا من الأنبياء الحكم بحسنه، لَكُنَّا قد أبطلنا حكم العقل الذي لا يصح رفعُهُ ولا يجوز نسخُهُ، ولَكُنَّا نُجَوِّزُ أن يأتيَ بعضُ الأنبياء بحُسن الظلم، والكذب، وجميع القبائح العقلية فيبطل العقل أصلاً وهو محالٌ.
  الجواب: أنّا لم نجعل الشرع مثبتاً لما قد أدركه العقل، فإنّ في العقل غُنيةً عنه، بل لأنّا لا نهتدي إلى أمر المُنْعِمِ ونهيه، بما شاءَ أن يَسْتَأْدِيَ منّا شكره إلّا بالأنبياءِ. وأمّا ما ذكروه في نحو ذبح البهائم فإن العقل لم يحكم بقبحه إلّا لإندراجه تحت ماهيّة الظلم الذي هو ماهيّة القبح وإنّما كان ظلماً لتعرِّيه عن النفع والإستحقاق فلمّا أباحه الشرعُ علمنا أنه قد ضمن لها عوضاً يُقابله فارتفع عنه حقيقة الظلم فزال القبح لزوال علته، وهذا غير مصادمٍ للعقل وإنّما يكون مصادماً لَهُ لو رفع قبح الظلم أصلاً الذي قضى به العقل وليس كذلك، فهذا كلام في النبوءة جملةً.
  (وأمّا نُبُوءَةُ نَبِيئنَا مُحَمّدٍ ÷ فَاعْلَمْ) أنّ من أنكر الصّانعَ أنكر نبوءَته ÷، وَأمّا المُقِّرّون بالصّانع فاختلفوا، فالذي عليه