المسألة العشرون في النبوءة
  وأمّا المطرفيّة: فإنهم وإن تظاهروا بالإقرار بنبوءته ÷ فهم منكرون كونه مبعوثاً بعثه الله على الحدِّ الذي نقوله، لأن منهم من يقول: إنّ النبوءة يفعلها النبيءُ ÷ لنفسه، فمن شاء كان نبيئاً، ومنهم من قال: هي جزاءٌ على العمل، ومنهم من قال: هي حكمٌ وتسميةٌ. وأمّا الباطنية فعندهم أنّ النبوءة مادّةٌ تَرِدُ من السّابق على قَلْبِ مَنْ وقعت للتّالي به عنايةٌ، وأنّ المعجزات ظهرت على يدي النبيء ÷ لِمَا اختصّ به من العلم بطبائع الأشياءِ وخواصِّها، وأنها من قبيل الحيل.
  (وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) المذهب الصحيح وهو القول بصحة نبوءة مُحَمَّدٍ ÷ (أَنَّ الْمُعْجِزَ) على كثرة إختلاف أجناسه (ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ عَقِيبَ دَعْوةِ النُّبُوَّة)
  قال في الأساس: (حقيقة المعجز هو ما لا يُطيقُهُ بَشَرٌ ولا يمكن التّعلم لإحضار مثله إبتداءً سواءٌ أدخل جنسُهُ في مقدورنا كالكلام، أمْ لَا كَحَنِينِ الْجِذْعِ). وقال في الخلاصة: (حقيقته هو الفعلُ النّاقض للعادة المتعلق بدعوى المدّعي للنبوءة) ومجموعُ الحدَّينِ قد أفاد شروطه الأربعة:
  الأول: أن يكون من فعل الله كإحياء الموتى وإبرَاءِ الأكمه والأبرص. وأمّا نَتْقُ الحبل ونحوه فالمعجز في الحقيقة هو إقدارُهُ على ذلك، وهو من فعل الله تعالى.
  الثاني: أن يتعذّر مثله منّا عادةً، ولو دخل جنسه في مقدورنا كالقرآن، لحصول المقصود وهو العجز عن الإتيان بمثله.
  الثالث: أنه لا بُدّ أن يقع عقيب الدّعوة للنبوءة لإنتفاءِ تجويز وقوعه على سبيل الإتّفاق حينئذٍ، والمراد بعقيب الدعوة: الوقت الذي يُطْلَبُ منه ظُهُورُهُ فيه ويَعِدُ به، لأن في عدم ظهوره حينئذٍ دلالة على كذبه، وتكذيبُ الصّادق لا يجوز من الحكيم. الرابع: أن يكون