كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة العشرون في النبوءة

صفحة 239 - الجزء 1

  ظهورُهُ والتكليفُ باقٍ. وإلّا لجوزناهُ خارقاً للعادة من جملة الخوارق الحادثة، كطلوع الشمس من المغرب، وخروج الدّابة، ونحو ذلك. وفي الحقيقة لا حاجة إلى هذا الشرط لأنّ الكلام هو في المعجز الدّال على صدق المُدَّعِي للنبوءة المستلزمة لبقاء التكليف، بل لا بُدّ فيه من تكليفٍ جديدٍ، فهذا أصلٌ أوّلٌ وهو أنه ظهر المعجز على يديه عقيب دعوى النبوءة. وأما الأصل الثاني: فقد نبَّه عليه بقوله: (وَكُلَّ مَنْ ظَهَرَ الْمُعْجِزُ عَلَى يَدَيْهِ عَقِيبَ دَعْوَى النُّبُوءةِ فَهُوَ نَبِيءٌ صَادِقٌ) والذي يدلّ على هذا الأصل أنّ المعجز يجري مجرى التصديق بالقول لمن ظهر عليه، وتصديق الكاذب كذب، والكذب قبيحٌ والله تعالى لا يفعل القبيح، فإذا بطل أن يكون من ظهر عليه المعجز كاذباً ثبت أنه صادقٌ إذ لا واسطة بينهما. وبيان ذلك بالقسمة المفيدة للقطع الدائرة بين النّفي والإثبات وهي أن يقال: المُخْبِرُ عن الشيءِ لا يخلو إمّا أن يكون ما أخبر به على ما هو به، أو لا يكون، فإن كان فهو الصّدقُ والمُخْبِرُ صادقٌ، وإن لم يكن فهو الكذب والمُخْبِرُ كاذب. وقد بطل أن يكون مُحَمَّدٌ ÷ كاذباً فوجب أن يكون صادقاً. وعلى هذا فلا يصح نبيءٌ إلّا بمعجزٍ، خلافاً للحشوية فقالوا: يصح بغيره.

  قلنا: المعجزُ شاهدٌ بصدقه، وإِذا عدم الشاهد لم يحصل التّمييز بين الصّادق الأمين ونحو مُسيلمة اللَّعين، والله عدل حكيم لا يُلَبِّسُ خطابه بالكذب والإفتراءِ فبطل ما قالوا،

  قال جمهور أئمتنا $ والبهشمية: ولا يجوز ظهوره لغير نبيءٍ إذ فيه حَطُّ مرتبة الأنبياء [$] حيث يحصل الإستواءُ بينهم وبين غيرهم بظهوره على يَدَيْ كُلٍّ.