كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة العشرون في النبوءة

صفحة 243 - الجزء 1

  {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}⁣[البقرة: ٢٤] وهذا غاية التّحدي الباعث على المعارضة. ولاشك أنهم كانوا يستمعون هذه الآيات كما كانوا يستمعون سائر القرآن. فهذه ثلاثة أُصولٍ مقطوعٌ بها. وأمّا الأصل الرّابع: وهو أنّهم بعد التّحدّي لم يأتوا بشيءٍ من ذلك فقد بيّنه بقوله: (فَلَمْ يَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) عُلم ذلك بالضرورة، وإلّا لَنُقِلَ لِعِلْمِنَا ضرورةً أنّ العرف يقتضي ذلك في كل متعارضينِ ألَا ترى إلى تعارض جرير والفرزدق كيف استوى نقلُهُما في الإستفاضة والظُّهور؛ وكان المُوجِبُ لذلك أنّ ما يدعوا إلى نقل أحدهما من تعجُّبٍ وتعصُّبٍ هو بعينه يدعو إلى نقل الآخر. وهذه القضيّةُ في القرآن ألزمُ لِعِظَمِ خطره في نفسه من حيث اقتضى إثباتَ نُبُوءةٍ ونَسخَ شريعةٍ، فكانت معارضته تَقْوَى بحسب قُوَّته، وكانت دواعيَ المتمسِّكين به متوفرة إلى نقل المعارضة لو كانت، ليُثبِتُوا به أنّ المعارضة غيرُ قادحةٍ فيه. وأنّ المكذبين له لم يعدم منهم الإتيان بمثله إلّا (لِعَجْزِهِمْ عَنْهُ لِأنّ) حالهم كحال المتمسِّكين به في أنّ (دَوَاعِيَهُمْ كَانَتْ مُتَوفِّرَةً) قَوِيَّةً (إلَى مُعَارَضَتِهِ لِيُبْطِلُوا بِهِ نُبُوءتَهُ ÷) وذلك لأنه ادَّعَى عليهم المرتبة العظمى، وهو أنّه أوْلَى بهم من أنفسهم، وله التَّصرُّفُ في أرواحهم وأموالهم بسبب ما جاءَ به من القرآن الذي جعل عجزهم عن معارضته دليلاً على صدقه فلم يُعارضوه بل عدلوا إلى القتال حتّى ذهب كثير